للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلِ أبي بكرٍ، وعمرَ، رَضِىَ اللهُ عنهما، في حديثِ ذِى اليَدَيْنِ (٣٠)، لمَّا سَأَلهما: "أحَقٌّ ما يَقُولُ ذُو اليَدَيْنِ؟ " قالوا: نعم. مع أنَّه كان شَاكًّا، بدَلِيلِ أنَّه أنْكَرَ ما قالَه ذو اليَدَيْنِ، وسألهما عن صِحَّةِ قَوْلِه، وهذا دَلِيلٌ على شَكِّه، ولأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمَرَهم بالتَّسْبِيحِ، لِيُذَكِّرُوا الإِمامَ، ويَعْمَلَ بِقَوْلِهم، ورَوَى ابنُ مسعودٍ أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صَلَّى فَزَادَ أو نَقَصَ، إلى قوله: "إنَّما أنا بَشَرٌ أَنْسَى كما تَنْسَوْنَ، فإذا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي" (٣١). يَعْنى بالتَّسْبِيحِ، كما بيَّنَه (٣٢) في الحديثِ الآخَرِ. وكذا نقولُ في الحَاكِمِ: إنَّه يَرْجِعُ إلى قَوْلِ الشَّاهِدَيْنِ. وإنْ كان الإِمامُ على يَقِينٍ من صَوابِه، وخَطإِ المَأْمُومِينَ، لم يَجُزْ له مُتابَعَتُهم. وقال أبو الخَطَّابِ: يَلْزَمُه الرُّجُوعُ إلى قَولِهم، كالحاكِمِ يَحْكُمُ بالشَّاهِدَيْنِ ويَتْرُكُ يَقِينَ نَفْسِه. وليس بِصَحِيحٍ؛ فإنَّه يَعْلَمُ خَطَأَهُم فلا يَتْبَعُهم في الخَطَإِ. وكذا نَقُولُ في الشَّاهِدَيْنِ: متى عَلِمَ الحاكِمُ كَذِبَهما لم يَجُزْ له الحُكْمُ بِقَوْلِهما؛ لأنَّه يعلمُ أنَّهما شاهِدَا زُورٍ، فلا يَحِلُّ له الحُكْمُ بِقَوْلِ الزُورِ، وإنما اعْتُبِرَت العَدَالَةُ في الشَّهَادَةِ [لأنَّها تُغَلِّبُ] (٣٣) على الظَّنِّ صِدْقَ الشُّهُودِ، وَرُدَّتْ شهادَةُ غَيْرِهم؛ لأنَّه لا يَعْلَمُ صِدْقَهم، فمع يَقِينِ العِلْمِ بالكَذِبِ أوْلَى أن لا يَقْبَلَ. وإذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه إذا سَبَّحَ به المَأْمُومون (٣٤) فلم يَرْجِعْ، في مَوْضِعٍ يَلْزَمُه الرُّجُوعُ، بَطَلَتْ صَلَاتُه. نَصَّ عليه أحمدُ. وليس للمَأْمُومِينَ اتّبَاعُه، فإن اتَّبَعُوه لم يَخْلُ من أن يكونوا عالِمِين بِتَحْرِيمِ ذلك، أو جَاهِلِينَ به، فإنْ كانوا عَالِمينَ بَطَلَتْ صَلَاتُهم؛ لأنَّهم تَرَكُوا الوَاجِبَ عَمْدًا. وقال القاضي: في هذا ثلاثُ رِواياتٍ: إحْدَاها، أنَّه لا يجوزُ لهم مُتَابَعَتُه، ولا


(٣٠) تقدم في صفحة ٣٨٤، ٤٠٣.
(٣١) هو الذي تقدم في صفحة ٤٠٨.
(٣٢) في م: "روى عنه".
(٣٣) في م: "ليغلب".
(٣٤) في م: "المأموم".

<<  <  ج: ص:  >  >>