للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو في الصَّلاةِ فيَرُدّ علينا، فلمَّا رَجَعْنا من عند النَّجَاشِىِّ سَلَّمْنا عليه، فلم يَرُدَّ علينا، فقلْنا: يا رسولَ اللَّه، كُنَّا نُسَلِّمُ عليكَ (٥) في الصَّلاةِ فتَرُدُّ علينا. قال: "إنَّ في الصَّلَاةِ لَشُغْلًا". مُتَّفَقٌ عليه (٦). ورَواهُما (٧) أبو دَاوُدَ، ولَفْظُه في حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فلما قَضَى رَسُولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- الصَّلَاةَ، قال: "إنَّ اللهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإنَّ اللهَ قَدْ أحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا في الصَّلَاةِ".

فأمَّا الكلامُ غيرَ ذلك، فيُقَسَّمُ خمسةَ أقسامٍ: أحَدُها، أن يَتَكَلَّمَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ الكلامِ في الصَّلاةِ. قال القاضي في "الجامعِ": لا أعْرِفُ عن أحمدَ نَصًّا في ذلك. ويَحْتَمِلُ أنْ لا تَبْطُلَ صلاتُه؛ لأنَّ الكلامَ كان مُبَاحًا في الصَّلاةِ، بدليلِ حديثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وزيدِ بنِ أرْقَمَ، ولا يَثْبُتُ حُكْمُ النَّسْخِ في حَقِّ مَنْ لم يَعْلَمْه، بدليلِ أنَّ أهْلَ قُبَاءَ لم يَثْبُتْ في حَقِّهِم حُكْمُ نَسْخِ القِبْلَة قبلَ عِلْمِهِم، فبَنَوْا على صلاتِهِم، بخِلافِ النَّاسِى، فإنَّ الحُكْمَ قد ثَبَتَ في حَقِّه، وبِخلَافِ الأكْلِ في الصَّوْمِ جَاهِلًا بتَحْرِيمِه، فإنَّه لم يكنْ مُبَاحًا، وقد دَلَّ على صِحَّةِ هذا حديثُ مُعَاوِيَةَ بن الحَكَمِ السُّلَمِىِّ، قال: بَيْنَا أنا أُصَلِّى مع رَسُولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذْ عَطَسَ رَجُلٌ من القَوْمِ، فقلتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ. فَرَمَانِى القَوْمُ بأبْصَارِهِمْ، فقلتُ: وَاثُكْلَ أُبَيَّاهُ، ما شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَىَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهمْ على أَفْخَاذِهِمْ، فلما رَأَيْتُهُم يُصَمِّتُونِى، لَكِنِّى سَكَتُّ، فلمَّا صَلَّى رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَبِأبِى هو وأُمِّى، ما رَأيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَه ولا بَعْدَه أحْسَنَ تَعْلِيمًا منه، فوَاللهِ ما كَهَرَنِى (٨) ولا ضَرَبَنِى ولا شَتَمَنِى،


= الشيبانى، (تفسير سورة البقرة) من أبواب التفسير. عارضة الأحوذى ٢/ ١٩٥، ١٩٦، ١١/ ١٠٧. والنسائي، في: باب الكلام في الصلاة، من كتاب السهو. المجتبى ٣/ ١٦.
(٥) سقط من: ا، م.
(٦) تقدم في صفحة ٨٨.
(٧) في الأصل: "ورواهن". والضمير يعود على حديث ابن مسعود بروايتيه السابقة والآتية. وانظر: سنن أبي داود ١/ ٢١١، ٢١٢. والنسائي، في الباب السابق. المجتبى ٣/ ١٦، ١٧. والبخاري، في: باب قوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}، {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} وقوله تعالى: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} من كتاب التوحيد. صحيح البخاري ٩/ ١٨٧. والإِمام أحمد، في: المسند ١/ ٣٧٧، ٤٣٥، ٤٦٣.
(٨) في أ، م: "قهرنى". والمثبت في الأصل، وتقدم الحديث في صفحة ٢٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>