للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تَفْسُدُ صَلاتُه. وهذا قولُ ابْنِ عمرَ، وعَطَاءٍ، وسَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ، وسَالمٍ، ومُجَاهِدٍ، والشَّعْبِيِّ، والنَّخَعِيِّ، والزُّهْرِيِّ، ويَحْيَى الأَنْصَارِيّ، وإسْحَاقَ، وابْنِ المُنْذِرِ. والثانية: يُعِيدُ. وهو قولُ أبي قِلابَةَ، والشَّافِعِيِّ؛ لأنَّها طهارةٌ مُشْتَرَطَةٌ للصَّلَاةِ، فلم تَسْقُطْ بِجَهلِها، كطهارةِ الحَدَثِ. وقال رَبِيعةُ، ومَالِكٌ: يُعِيدُ ما كان في الوَقْتِ، ولا يُعِيدُ بعدَه. ووَجْهُ الرِّوَايَةِ الأُولَى، ما رَوَى أبو سعيدٍ، قال: بَيْنَا رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصَلِّي بأصْحابِه، إذ خَلَعَ نَعْلَيْه، فوَضَعَهما عن يسارِهِ، [فخَلَعَ الناسُ نِعَالَهُم] (٧)، فلما قَضَى رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاتَه قال: "مَا حَمَلَكُم عَلَى إلْقَائِكُم نِعَالَكُمْ؟ ". قالوا: رَأيْنَاكَ ألْقَيْتَ نَعْلَيْكَ، فألْقَيْنَا نِعَالَنا. قال: "إن جِبْرِيلَ أتَانِى، فأخْبَرَنِى أنَّ فِيهِمَا قَذَرًا". رَوَاهُ أبو داوُدَ (٨). ولو كانت الطَّهارةُ شَرْطًا، مع عَدَمِ العِلْمِ بها، لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُ الصَّلاةِ، وتُفَارِقُ طهارةَ الحَدَثِ؛ لأنَّها آكَدُ؛ لأنَّها لا يُعْفَى عن يَسِيرِها، وتَخْتَصُّ البَدَنَ، وإن كان قد عَلِمَ بالنَّجَاسَةِ ثم أُنْسِيَها (٩)، فقال القاضي: حَكَى أصْحَابُنا في المَسْأَلَتَيْنِ رِوَايَتَيْنِ. وذَكَرَ هو في مَسْأَلَةِ النِّسْيَانِ، أنَّ الصَّلاةَ باطِلَةٌ؛ لأنَّه مَنْسُوبٌ إلى التَّفْرِيطِ، بخِلافِ الجاهِل بها. قال الآمِدِيُّ: يُعِيدُ إذا كان قد تَوَانَى، رِوَايَةً واحِدَةً. والصَّحِيحُ التَّسْوِيَةُ بينهما؛ لأنَّ ما عُذِرَ فيه بالجَهْلِ عُذِرَ فيه بالنِّسْيَانِ، بل النِّسْيَانُ أوْلَى؛ لِوُرُودِ النَّصِّ بالعَفْوِ فيه، بقَوْلِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عُفِى لأُمَّتِى عن الخَطَإِ والنِّسْيَاِن" (١٠). وإنْ عَلِمَ بالنَّجَاسَةِ في أَثْناء الصَّلاةِ، فإنْ قُلْنَا: يُعْذَرُ. فصَلاتُه صَحِيحَةٌ. ثم إن أمْكَنَه طَرْحُ النَّجَاسَةِ من غير زَمَنٍ طَوِيلٍ، ولا عَمَلٍ كَثِيرٍ، ألْقَاهَا، وبَنَى، كما خَلَعَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَعْلَيْهِ حين أخْبَرَه جِبْرِيلُ بالقَذَرِ فيهما. وإنِ احتَاجَ إلى أحَدِ هذين، بَطَلَتْ صَلاتُه؛ لأنه يُفْضِى إلى أحَدِ أمْرَيْنِ؛ إما


= الجنائز. المجتبى ١/ ٢٩، ٤/ ٨٧، ٨٨. وابن ماجه، في: باب التشديد في البول، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه ١/ ١٢٥. والدارمي، في: باب الاتقاء من البول، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي ١/ ١٨٨. والإمام أحمد، في: المسند ١/ ٢٢٥.
(٧) سقط من: أ.
(٨) في: باب الصلاة في النعل، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود ١/ ١٥١. كما أخرجه الدارمي، في: باب الصلاة في النعلين، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي ١/ ٣٢٠. والإمام أحمد، في: المسند ٣/ ٩٢.
(٩) في م: "نسيها".
(١٠) تقدم في ١/ ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>