للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القِرَاءَةَ رُكْنٌ في الصَّلَاةِ فكان القادِرُ عليها أَوْلَى، كالقَادِرِ على القِيَامِ مع العَاجِزِ عنه. فإن قيل: إنَّما أَمَر النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِتَقْدِيمِ القارِئ لأنَّ الصَّحابةَ (٩) كان أَقْرؤُهم أَفْقهَهُمْ، فإنَّهم كانوا إذا تَعَلَّمُوا القُرْآنَ تَعلَّمُوا معه أحْكَامَهُ، قال ابنُ مَسْعُودٍ: كُنَّا لا نُجَاوِزُ عَشْرَ آياتٍ حتى نَعْرِفَ أَمْرَها، ونَهْيَها، وأحْكَامَها. قلنا: اللَّفْظُ عامٌّ فيجبُ الأَخْذُ بِعُمُومِه دُونَ خُصُوصِ السَّبَبِ، ولا يُخَصُّ ما لم يَقُمْ دَلِيلُ (١٠) تَخْصِيصِه، علَى أنَّ في الحَدِيثِ ما يُبْطِلُ هذا التَّأْوِيلَ، فإنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "فَإنِ اسْتَوَوْا فأَعْلَمُهُمْ بالسُّنَّةِ". ففاضَلَ بينهم في العِلْمِ بالسُّنَّةِ مع تَسَاوِيهِمْ في القِرَاءةِ، ولو قدَّم القارئَ لِزِيَادَةِ عِلْمِه (١١) لَما نقَلهم عندَ التَّسَاوِى فيه إلى الأعْلَمِ بالسُّنَّةِ، ولو كان العِلْمُ بالفِقْهِ على قَدْرِ القِرَاءَةِ لَلَزِمَ من التِّسَاوِى في القِرَاءَةِ التَّسَاوِى فيه، وقد قال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَقْرَؤُكُمْ أُبَىٌّ، وأَقْضَاكُمْ عَلِىٌّ، وأَعْلَمُكُمْ بالحَلَالِ والحَرَامِ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ، وأَفْرَضُكُم زَيْدُ بنُ ثابِتٍ" (١٢). فقد فَضَّلَ بالفِقْه مَن هو مَفْضُولٌ بالقِرَاءةِ، وفَضَّل بالقِرَاءةِ من هو مَفْضُولٌ بالقَضَاءِ والفَرَائِضِ وعِلْمِ الحَلالِ


= ٥/ ١٩١. وأبو داود، في: باب من أحق بالإمامة، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود ١/ ١٣٨. والنسائي، في: باب اجتزاء المرء بأذان غيره في الحضر، من كتاب الأذان، وفى: باب إمامة الغلام قبل أن يحتلم، من كتاب الإمامة. المجتبى ٢/ ٩، ٦٣. والإمام أحمد، في: المسند ٣/ ٤٧٥، ٥/ ٣٠، ٧١.
(٩) في أ، م: "أصحابه".
(١٠) في م زيادة: "على".
(١١) في أ، م: "علم".
(١٢) أخرجه ابن ماجه، في: باب في فضائل أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، من المقدمة، بأطول من هذا السياق. سنن ابن ماجه ١/ ٥٥. وأخرجه الترمذي، في: باب مناقب معاذ بن جبل. . .، من أبواب المناقب. عارضة الأحوذى ١٣/ ٢٠٢، والإمام أحمد، في: المسند ٢٨١، وليس عندهما ذكر على.

<<  <  ج: ص:  >  >>