للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القِبْلَةِ (٩). والصَّحِيحُ عن ابنِ عَبَّاسٍ أنَّه كان يَؤُمُّ وهو أعْمَى، وعِتْبانَ بن مالِكٍ، وقَتَادَةَ، وجَابِرٍ. وقال أنَسٌ: إنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- اسْتَخْلَفَ ابنَ أمِّ مَكْتُومٍ يَؤُمُّ النَّاسَ وهو أعْمَى. رَوَاه أبو دَاوُدَ (١٠). وعن الشَّعْبِىِّ، أنَّه قال: غَزَا النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ثَلَاثَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، كلُّ ذلك يُقَدِّمُ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يُصَلِّى بالنَّاسِ. رَوَاهُ أبو بكرٍ (١١). ولأَنَّ العَمَى فَقْدُ حَاسَّةٍ لا يُخِلُّ بِشَىْءٍ من أفْعَالِ الصلاةِ ولا بِشُرُوطِها، فأشْبَه فَقْدَ الشَّمِّ. فإذا ثَبَتَ هذا فالحُرُّ أوْلَى من العَبْدِ، لأنَّه أكْمَلُ منه وأشْرَفُ، ويُصَلّى الجُمُعَةَ والعِيدَ إمَامًا بِخِلَافِ العَبْدِ. وقال أبو الخَطَّابِ: والبَصِيرُ أوْلَى من الأعْمَى؛ لأنه يَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ بِعِلْمِه، ويَتَوَقَّى النَّجَاسَاتِ بِبَصَرِهِ. وقال القاضي: هما سَوَاءٌ؛ لأنَّ الأعْمَى أخْشَعُ، لأنَّه لا يَشْتَغِلُ (١٢) في الصَّلَاةِ بالنَّظَرِ إلى ما يُلْهِيه، فيكون ذلك في مُقابَلَةِ [فَضِيلةِ البصَرِ] (١٣) عليه، فَيَتَسَاوَيانِ. والأوَّلُ أصَحُّ؛ لأن البَصِيرَ لو غَمَّض (١٤) عَيْنيْه (١٥) كان مَكْرُوهًا، ولو كان ذلك فَضِيلَةً لكَان مُسْتَحَبًّا، لأنَّه يُحصِّلُ بِتَغْمِيضِه ما يُحصِّلُه الأعْمَى، ولأنَّ البَصِير إذا غَضَّ بَصَرَه مع إمْكَانِ النَّظَرِ كان له الأجْرُ فيه، لأنَّه يَتْرُكُ المَكْرُوهَ مع إمْكَانه اخْتِيَارًا، والأعْمَى يَتْرُكُه اضْطِرَارًا، فكان أدْنَى حَالًا، وأقَلَّ فَضْلًا (١٦).


(٩) رواه ابن أبي شيبة، في: باب من كره إمامة الأعمى، من كتاب الصلاة. مصنف ابن أبي شيبة ١/ ٢١٥.
(١٠) في: باب إمامة الأعمى، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود ١/ ١٤٠.
(١١) رواه ابن أبي شيبة، في: باب في إمامة الأعمى من رخص فيه، من كتاب الصلاة. مصنف ابن أبي شيبة ١/ ٢١٣. وليس فيه ثلاث عشرة غزوة.
(١٢) في الأصل: "يشغل".
(١٣) في م: "فضلة البصير".
(١٤) في أ، م: "أغمض".
(١٥) في م: "عينه".
(١٦) في م: "فضيلة".

<<  <  ج: ص:  >  >>