للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَغِيبُ الشَّفَقُ (١١). ورَوَى الجَمْعَ مُعَاذُ [بنُ جَبَلٍ] (١٢)، وابنُ عَبَّاسٍ، وسَنَذْكُرُ أحادِيثَهما فيما بعد (١٣)، وقَوْلُهم: لا نَترُكُ الأخْبارَ المُتَواتِرَةَ. قُلْنا: لا نَتْرُكُها، وإنَّما نُخَصِّصُها، وتَخْصِيصُ المُتَواتِرِ بالخَبَرِ الصَّحِيحِ جائِزٌ بالإِجْماعِ، وقد جازَ تَخْصِيصُ الكِتَابِ بِخَبَرِ الوَاحِدِ بالإِجْمَاعِ، فتَخْصِيصُ (١٤) السُّنَّةِ بالسُّنَّةِ أَوْلَى، وهذا ظَاهِرٌ جِدًّا. فإنْ قِيلَ: مَعْنَى الجَمْعِ في الأخْبَارِ أن يُصَلِّىَ الأُولَى في آخِر وَقْتِها، والأُخْرَى في أَوَّل وَقْتِها. قُلْنَا: هذا فاسِدٌ لِوَجْهَيْنِ: أحدُهما، أنَّه قد جَاءَ الخَبَرُ صَرِيحًا في أنَّه كان يَجْمَعُهما في وَقْتِ إحْدَاهما، على ما سَنَذْكُرُه، ولِقَوْلِ أنَسٍ: أخَّرَ الظُّهْرَ إلى وَقتِ العَصْرِ، ثم نَزَل فجَمَعَ بَيْنَهما، ويُؤَخِّرُ المَغْرِبَ حتى يَجْمَعَ بينها وبين العِشَاءِ حين يَغِيبَ الشَّفَقُ. فَيَبْطُلُ التَّأْوِيلُ. الثَّانى، أن الجَمْعَ رُخْصَةٌ، فلو كان على ما ذَكَرُوه لَكان أشَدَّ ضِيقًا، وأعْظَمَ حَرَجًا من الإِتْيانِ بكُلِّ صَلاةٍ في وَقْتِها؛ لأنَّ الإِتْيانَ بكُلِّ صلاةٍ في وَقْتِها أوْسَعُ من مُرَاعَاةِ طَرَفَىِ الوَقْتَيْنِ، بحيثُ لا يَبْقَى من وقْتِ الأُولَى إلا قَدْرُ فِعْلِها، ومَن (١٥) تَدَبَّرَ هذا وَجَدَه كما وَصَفْنَا، ولو كان الجَمْعُ هكذا لجَازَ الجَمْعُ بين العَصْرِ والمَغْرِبِ، والعِشاءِ والصُّبْحِ، ولا خِلَافَ بين الأُمَّةِ في تَحْرِيمِ ذلك، والعَمَلُ بالخَبَرِ على الوَجْهِ السَّابِقِ إلى الفَهْمِ منه أوْلَى من هذا التَّكَلُّفِ الذي يُصَانُ كلامُ رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- من حَمْلِه عليه. إذا ثَبَتَ هذا فمَفْهُومُ قولِ الْخِرَقِىِّ أنَّ الجَمْعَ إنَّما يَجُوزُ إذا كان سَائِرًا في وَقْتِ الأُولَى، فَيُؤَخِّرُ إلى وَقْتِ الثَّانِيَة، ثم يَجْمَعُ بَينَهما، ورَوَاهُ الأثْرَمُ عن


(١١) أخرجه مسلم، في: باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، من كتاب صلاة المسافرين. صحيح مسلم ١/ ٤٨٩.
(١٢) سقط من: الأصل، أ.
(١٣) قبل آخر هذا الفصل.
(١٤) في أ، م: "فتخصص".
(١٥) في الأصل: "ومتى".

<<  <  ج: ص:  >  >>