للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَبَ ذِكْرُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، لِمَا رُوِىَ في تَفْسيرِ قولِه تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} (٤). قال: لا أُذْكَرُ إلَّا ذُكِرْتَ مَعِى (٥)، ولأنَّه مَوْضِعٌ وَجَبَ فيه ذِكْرُ اللهِ تعالى، والثَّنَاءُ عليه، فوَجَبَتْ (٦) فيه الصلاةُ على النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، كالأذانِ والتَّشَهُّدِ. ويَحْتَمِلُ أن لا تَجِبَ الصلاةُ على النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَذْكُرْ في خُطْبَتِه (٧) ذلك. فأمَّا القِرَاءَةُ، فقال القاضي: يَحْتَمِلُ أن يُشْتَرَطَ لكُلِّ واحِدَةٍ من الخُطْبَتَيْنِ. وهو ظَاهِرُ كلامِ الْخِرَقِيِّ؛ لأنَّ الخُطْبَتَيْنِ أُقِيمَتَا مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ، فكانت القِرَاءَةُ شَرْطًا فيهما كالرَّكْعَتَيْنِ. ويَحْتَمِلُ أنْ تُشْتَرَطَ في إحْدَاهما؛ لما رَوَى الشَّعْبِيُّ، قال: كان رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا صَعَدَ المِنْبَرَ يَوْمَ الجُمُعَةِ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ، فقال: "السَّلَامُ عَلَيْكُم". ويَحْمَدُ اللهَ، ويُثْنِى عليه، ويَقْرَأ سُورَةً، ثم يَجْلِسُ، ثم يَقُومُ فيَخْطُبُ، ثم يَنْزِلُ، وكان أبو بكرٍ وعُمَرُ يَفْعَلَانِه. رَوَاه الأثْرَمُ (٨). وظاهِرُ هذا أنَّه إنَّما قَرَأَ في الخُطْبَةِ الأُولَى، وَوَعَظَ في الخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ. وظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أنَّ المَوْعِظَةَ إنَّما تكونُ في الخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ؛ لهذا الخَبَرِ. وقال القاضي: تَجِبُ في الخُطْبَتَيْنِ؛ لأنَّها (٩) المَقْصُودُ من الخُطْبَةِ، فلم يَجُزِ الإِخْلَالُ بها. وقال أَبو حنيفةَ: لو أتَى بِتَسْبِيحَةٍ واحِدَةٍ أجْزَأَ؛ لأنَّ اللَّه تعالى قال: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}. ولم يُعَيِّنْ ذِكْرًا، فأجْزَأَ ما يَقَعُ عليه اسْمُ


= "أجذم". وابن ماجه، في: باب خطبة النكاح، من كتاب النكاح. سنن ابن ماجه ١/ ١٦٠ بلفظ "أقطع". والإِمام أحمد، في: المسند ٢/ ٣٥٩.
(٤) سورة الشرح الآيتان الأولى، والرابعة.
(٥) أخرجه البيهقي، في: باب ما يستدل به على وجوب ذكر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الخطبة، من كتاب الجمعة. السنن الكبرى ٣/ ٢٠٩. وانظر: الدر المنثور، للسيوطي ٦/ ٣٦٣.
(٦) في أ، م: "فوجب".
(٧) في م: "خطبه".
(٨) تقدم في صفحة ١٦٢.
(٩) في م زيادة: "بيان".

<<  <  ج: ص:  >  >>