للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذِّكْرِ، ويَقَعُ اسْمُ الخُطْبَةِ على دون ما ذَكَرْتُمُوهُ، بدَلِيلِ أنَّ رَجُلًا جاءَ إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: عَلِّمْنِى عَمَلًا أدْخُلُ به الجَنَّةَ. فقال: "لَئِنْ أَقْصَرْتَ فِي الْخُطْبَةِ لَقَدْ أَعْرَضْتَ في الْمَسْأَلَةِ" (١٠). وعن مالِكٍ رِوَايَتَانِ، كالمَذْهَبَيْنِ. ولَنا، أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَسَّرَ الذِّكْرَ بفِعْلِه، فيَجِبُ الرُّجُوعُ إلى تَفْسِيرِه، قال جابِرُ بنُ سَمُرَةَ: كانتْ صلاةُ رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَصْدًا، وخُطْبَتُه قَصْدًا، يَقْرَأُ آياتٍ من القُرْآنِ، ويُذَكِّرُ النَّاسَ (١١). وقال جابِرٌ: كان رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَخْطُبُ النّاسَ، يَحْمَدُ اللَّه، ويُثْنِى عليه بما هو أهْلُهُ، ثم يقولُ: "مَنْ يَهْدِه اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِىَ لَهُ" (١٢). وقال ابنُ عمرَ: كان رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَخْطُبُ قائِمًا، ثم يَجْلِسُ، ثم يَقُومُ (١٣). كما يَفْعَلُونَ اليَوْمَ. فأمَّا التَّسْبِيحُ والتَّهْلِيلُ فلا يُسَمَّى خُطْبَةً. والمُرَادُ بالذِّكْرِ الْخُطْبَةُ، وما رَوَوْهُ مَجَازٌ؛ فإنَّ السُّؤالَ لا يُسَمَّى خُطْبَةً، ولذلك لو ألْقَى مَسْأَلَةً على الحاضِرِينَ لم يَكْفِ ذلك اتّفَاقًا. قال أصْحَابُنا: ولا يَكْفِى في القِرَاءَةِ أقَلُّ مِن آيةٍ، لأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَقْتَصِرْ على أقَلَّ مِن ذلك، ولأنَّ الحُكْمَ لا يَتَعَلَّقُ بما دُونَها، بدَلِيلِ مَنْعِ الجُنُبِ من قِراءَتِها، دونَ ما هو أقَلُّ من ذلك. وظَاهِرُ كلامِ


(١٠) أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند ٤/ ٢٩٩، ٦/ ٣٨٤.
(١١) أخرجه مسلم، في: باب تخفيف الصلاة والخطبة، من كتاب الجمعة. صحيح مسلم ٢/ ٥٩١. وأبو داود، في: باب الرجل يخطب على قوس، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود ١/ ٢٥٢. والترمذي، في: باب ما جاء في قصر الخطبة، من أبواب الجمعة. عارضة الأحوذى ٢/ ٢٩٥. والنسائي، في: باب القراءة في الخطبة الثانية والذكر فيها، من كتاب الجمعة، وفى: باب القصد في الخطبة، وباب القراءة في الخطبة الثانية والذكر فيها، من كتاب العيدين. المجتبى ٣/ ٩٠، ١٥٦. وابن ماجه، في: باب ما جاء في الخطبة يوم الجمعة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه ١/ ٣٥١. والدارمى، في: باب في قصر الخطبة، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي ١/ ٣٦٥. والإِمام أحمد، في: المسند ٥/ ٩١، ٩٣ - ٩٥، ٩٨، ١٠٠, ١٠٢, ١٠٦, ١٠٧.
(١٢) أخرجه مسلم، في: باب تخفيف الصلاة والخطبة، من كتاب الجمعة. صحيح مسلم ٢/ ٥٩٣. والنسائي، في: باب كيف الخطبة، من كتاب العيدين. المجتبى ٣/ ١٥٣. والإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ٣٧١.
(١٣) تقدم في صفحة ١٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>