للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِيَةِ؛ فإن زُحِمَ في الأُولَى، ولم يَتَمَكَّنْ من السُّجُودِ على ظَهْرٍ ولا قَدَمٍ، انْتَظَرَ حتى يَزُولَ الزِّحَامُ، ثم يَسْجُدُ، ويَتْبَعُ إمَامَه، مثل ما رُوِىَ عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في صلاةِ الخَوْفِ بِعُسْفَانَ، سَجَدَ معه صَفٌّ، وبَقِىَ صَفٌّ لم يَسْجُدْ معه، فلما قَامَ إلى الثانيةِ [سَجَدُوا، وجازَ] (١٤) ذلك لِلْحَاجَةِ، كذا ها هُنا. فإذا قَضَى ما عليه، وأدْرَكَ الإِمامَ في القِيَامِ، أو في الرُّكُوعِ، تَبِعه (١٥) فيه، وصَحَّتْ له الرَّكْعَةُ، وكذا إذا تَعَذَّرَ عليه السُّجُودُ مع إمَامِه، لِمَرَضٍ، أو نَوْمٍ، أو نِسْيَانٍ؛ لأنَّه مَعْذُورٌ في ذلك، فأشْبَهَ المَزْحُومَ. فإن خافَ أنَّه إنْ تَشَاغَلَ بالسُّجُودِ فاتَهُ الرُّكُوعُ مع الإِمَامِ في الثانيةِ، لَزِمَتْهُ (١٦) مُتابَعَتُه، وتَصِيرُ الثانيةُ أُولَاهُ. وهذا قولُ مالِكٍ. وقال أبو حنيفةَ: يَشْتَغِلُ بقَضَاءِ السُّجُودِ؛ لأنَّه قد رَكَعَ مع الإِمامِ، فيَجِبُ عليه السُّجُودُ بعدَه، كما لو زالَ الزِّحامُ والإِمامُ قائِمٌ. ولِلشَّافِعِىِّ كالمَذْهَبَيْنِ. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا" (١٧). فإنْ قيل: فقد قال: "فَإذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا". قُلْنا: قد سَقَطَ الأَمْرُ بالمُتَابَعَةِ في السِّجُودِ عن هذا لِعُذْرِه، وبَقِىَ الأمْرُ بالمُتَابَعَةِ في الرُّكُوعِ مُتَوَجّهًا لإِمْكَانِه، ولأنَّه خَائِفٌ فَوَاتَ الرُّكُوعِ، فلَزِمَتْهُ (١٨) مُتَابَعَة إمَامِه فيه (١٩)، كالمَسْبُوقِ، فأَمَّا إذا كان الإِمَامُ قَائِمًا فليس هذا اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وقد فَعَلَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مثلَه بِعُسْفَانَ. إذا تَقَرَّرَ هذا، فإنَّه إن اشْتَغَلَ بالسُّجُودِ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَه، لم تَصِحَّ صلاتُه؛ لأنَّه تَرَكَ وَاجِبًا عَمْدًا، وفَعَلَ ما لا يَجُوزُ له فِعْلُه. وإن اعْتَقَدَ جَوَازَ ذلك فسَجَدَ، لم يُعْتَدَّ بِسُجُودِه؛ لأنَّه


(١٤) في الأصل: "سجد وأجاز". ويأتى الحديث وتخريجه في صلاة الخوف، أثناء المسألة ٣١٦.
(١٥) في الأصل: "اتبعه".
(١٦) في أ، م: "لزمه".
(١٧) تقدم تخريجه في ٢/ ١٣١.
(١٨) في أ، م: "فلزمه".
(١٩) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>