للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن بُرْقَانَ، عن ثابِتِ بن الحَجَّاجِ، عن عبدِ اللهِ بن سِيدَانَ، قال: شَهِدْتُ الخُطْبَةَ مع أبي بكرٍ، فكانتْ صَلَاتُه وخُطْبَتُه قبلَ نِصْفِ النَّهَارِ، وشَهِدْتُها مع عمرَ بن الخَطَّابِ، فكانتْ صَلَاتُه وخُطْبَتُه إلى أنْ أقولَ قد انْتَصَفَ (١٢) النَّهَارُ، ثم صَلَّيْتُها مع عثمانَ بن عَفَّانَ، فكانتْ صَلَاتُه وخُطْبَتُه إلى أن أقولَ قد زَالَ النَّهَارُ، فما رَأَيْتُ أحَدًا عابَ ذلك ولا أنْكَرَهُ. قال: وكذلك رُوِيَ عن ابنِ مسعودٍ، وجابِرٍ، وسَعِيدٍ، ومُعاوِيةَ، أنَّهم صَلَّوا قبلَ الزَّوالِ، وأحادِيثُهم تَدُلُّ على أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَعَلَها بعد الزَّوالِ في كَثِيرٍ من أوْقاتِه، ولا خِلافَ في جَوازِه، وأنَّه الأفْضَلُ والأوْلَى، وأحَادِيثُنَا تَدُلُّ على جَوازِ فِعْلِها قبلَ الزَّوالِ، ولا تَنافِيَ بينهما. وأمَّا في أَوَّلِ النَّهارِ، فالصَّحِيحُ أنَّها لا تَجُوزُ؛ لما ذَكَرَهُ أكْثَرُ أهْلِ العِلْمِ، ولأنَّ التَّوْقِيتَ لا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ، من نَصٍّ، أو ما يَقُومُ مَقامَه، وما ثَبَتَ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا عن خُلَفائِه، أنَّهم صَلَّوها في أوَّلِ النَّهارِ، ولأنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ كونُ وَقْتِها وَقْتَ الظُّهْرِ، وإنَّما جازَ تَقْدِيمُها عليه بما ذَكَرْنا من الدَّلِيلِ، وهو مُخْتَصٌّ بالسَّاعَةِ السَّادِسَةِ، فلم يَجُزْ تَقْدِيمُها عليها، واللهُ أعلمُ. ولأنَّها لو صُلِّيَتْ في أوَّلِ النَّهارِ لَفاتَتْ أَكْثَرَ المُصَلِّينَ، لأنَّ (١٣) العَادَةَ اجْتِمَاعُهم لها عند الزَّوالِ، وإنما يَأْتِيها ضُحًى آحَادٌ من النّاسِ، وعَدَدٌ يَسِيرٌ، كما رُوِيَ عن ابنِ مسعودٍ، أنَّه أَتَى الجُمُعَةَ، فَوَجَدَ أربَعَةً قد سَبَقُوهُ، فقال: رَابِعُ أرْبَعَةٍ، وما رَابِعُ أرْبَعَةٍ بِبَعِيدٍ. إذا ثَبَتَ هذا، فالأوْلَى أنْ لا تُصَلَّى إلَّا بعد الزَّوالِ؛ لِيَخْرُجَ من الخِلافِ، ويَفْعَلُها في الوَقْتِ الذي كان النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَفْعَلُها فيه في أكْثَرِ أوْقَاتِه، ويُعَجِّلُها في أوَّلِ وَقْتِهَا في الشِّتَاءِ والصَّيْفِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُعَجِّلُها، بِدَلِيلِ الأخْبارِ التي رَوَيْناهَا، ولأنَّ النَّاسَ يَجْتَمِعُونَ لها في أوَّلِ وَقْتِها، ويُبَكِّرُونَ إليها قبل وَقْتِها، فلو انْتَظَرَ الإِبْرادَ بها لَشَقَّ على الحاضِرِينَ،


(١٢) في أ، م: "ينتصف".
(١٣) في أ، م: "فإن".

<<  <  ج: ص:  >  >>