للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَدْعُو لَهُ" (٣٢). ولأنَّ نَفْعَهُ لا يَتَعَدَّى فَاعِلَه، فلا يَتَعَدَّاهُ (٣٣) ثَوَابُه. وقال بعضُهم: إذا قرئَ القُرْآنُ عندَ المَيِّتِ، أو أُهْدِيَ إليه ثَوَابُه، كان الثَّوَابُ لِقَارِئِه، ويكونُ المَيِّتُ كأنَّه حَاضِرُها، فتُرْجَى له الرَّحْمَةُ. ولَنا، ما ذَكَرْنَاهُ، وأنَّه إجْمَاعُ المسلمين؛ فإنَّهُم في كُلِّ عَصْرٍ ومِصْرٍ يَجْتَمِعُونَ ويَقْرَأونَ القُرْآنَ، ويُهْدونَ ثَوَابَهُ إلى مَوْتَاهم مِن غيرِ نَكِيرٍ (٣٤). ولأنَّ الحَدِيثَ صَحَّ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ الميِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ" (٣٥). واللهُ أكْرَمُ مِن أن يُوصِلَ عُقُوَبةَ المَعْصِيَةِ إليه، ويَحْجُبَ عنه المَثُوبَةَ. ولأنَّ المُوصِلَ لِثَوَابِ ما سَلَّمُوه، قَادِرٌ على إِيصَالِ ثَوَابِ مَا مَنَعُوهُ، والآيةُ مَخْصُوصَةٌ بما سَلَّمُوه، وما اخْتَلَفْنَا فيه في مَعْنَاه، فنَقِيسُه عليه. ولا حُجَّةَ لهم في الخَبَرِ الذي احْتَجُّوا به، فإنَّما دَلَّ على انْقِطَاعِ عَمَلِه، [وليس هذا مِن عملِه] (٣٦) فلا دَلالةَ فيه عليه؛ ثم لو دَلَّ عليه لَكان (٣٧) مَخْصُوصًا بما سَلَّمُوه، وفي مَعْنَاه ما مَنَعُوهُ، فيَتَخَصَّصُ به أيضًا بالقِياسِ عليه، وما ذَكَرُوه من المَعْنَى غيرُ صَحِيحٍ، فإنَّ تَعَدِّيَ الثوَابِ ليس بِفَرْعٍ لِتَعَدِّي النَّفْعِ، ثم هو بَاطِلٌ بالصَّوْمِ والدُّعاءِ


(٣٢) أخرجه مسلم، في: باب ما يلحق الإِنسان من الثواب بعد وفاته، من كتاب الوصية. صحيح مسلم ٣/ ١٢٥٥. وأبو داود، في: باب فيما جاء في الصدقة عن الميت، من كتاب الوصايا. سنن أبي داود ٢/ ١٠٦. والترمذي، في: باب في الوقف، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذي ٦/ ١٤٤. والنسائي، في: باب فضل الصدقة عن الميت، من كتاب الوصايا، المجتبى ٦/ ٢١٠. والإِمام أحمد، في: المسند ٢/ ٣٧٢.
(٣٣) في أ، م: "يتعدى".
(٣٤) علق محمد رشيد رضا على ذلك في حاشية م بقوله: سلك المصنف، عفا اللَّه عنه، هنا مسلك أهل الجدل، فأما دعواه الإِجماع فهي باطلة قطعا، لم يعبأ بها أحد، حتى إن المحقق ابن القيم الذي جاراه في أصل المسألة لم يدَّعها، بل صرح بما هو نص في بطلانها، وهو أنه لم يصح عن السلف شيء فيها. واعتذر عنه بأنهم كانوا يخفون أعمال البر. وانتقدنا ذلك في تفسيرنا بأنه لو كان معروفا لكان عن اعتقاد مشروعيته، وحينئذ يبلغونه ولا يكتمونه، بل لتوفرت الدواعي عنهم بالتواتر؛ لأنه من رغائب جميع الناس.
(٣٥) تقدم تخريجه في صفحة ٤٩٢.
(٣٦) سقط من: م.
(٣٧) في أ، م: "كان".

<<  <  ج: ص:  >  >>