للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سأله: إنَّ أُمِّي ماتَتْ، وعليها صَوْمُ شَهْرٍ، أفأصُومُ عنها؟ قال: "نَعَمْ" (٢٨). وهذه أحاديثُ صِحَاحٌ، وفيها دَلالةٌ على انْتِفَاعِ المَيِّتِ بِسَائِرِ القُرَبِ؛ لأنَّ الصَّوْمَ والحَجَّ والدُّعاءَ والاسْتِغْفارَ عِبادَاتٌ بَدَنِيَّةٌ، وقد أوْصَلَ اللَّه نَفْعَهَا إلى المَيِّتِ، فكذلِك ما سِواهَا، مع ما ذَكَرْنا من الحديثِ في ثَوَابِ مَنْ قَرَأَ يس، وتَخْفِيفِ اللَّه تعالى عن أهْلِ المَقَابِر بِقِرَاءَتِه. ورَوَى عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، عن أبِيهِ، عن جَدِّهِ، أنَّ رسولَ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لِعَمْرِو بن الْعَاصِ: "لَوْ كَانَ أَبُوكَ مُسْلِمًا، فَأعْتَقْتُمْ عَنْهُ، أوْ تَصَدَّقْتُمْ عَنْهُ، أوْ حَجَجْتُمْ عَنْهُ، بَلَغَهُ ذَلِكَ" (٢٩). وهذا عَامٌّ في حَجِّ التَّطَوُّعِ وغيرِه، ولأنَّه عَمَلُ بِرٍّ وطَاعَةٍ، فوَصَلَ نَفْعُه وثَوابُه (٣٠)، كالصَّدَقَةِ والصِّيامِ والحَجِّ الوَاجِبِ. وقال الشَّافِعِيُّ: ما عَدَا الوَاجِبَ والصَّدَقَةَ والدُّعاءَ والاسْتِغْفارَ، لا يُفْعَلُ عن المَيِّتِ، ولا يَصِلُ ثَوَابُه إليه؛ لِقَوْلِ اللَّه تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (٣١). وقولِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ بَعْدِه، أوْ وَلَدٍ صَالِحٍ


= وأخرج الحديث الثاني النسائي، في: باب تشبيه قضاء الحج بقضاء الدين، من كتاب الحج، وفي: باب ذكر الاختلاف على يحيى بن أبي إسحاق فيه، من كتاب آداب القضاة. المجتبى ٥/ ٨٩، ٨/ ٢٠١، ٢٠٢. والإِمام أحمد، في: المسند ٤/ ٥.
(٢٨) أخرجه البخاري، في: باب من مات وعليه صوم، من كتاب الصوم. صحيح البخاري ٣/ ٤٦. ومسلم، في: باب قضاء الصيام عن الميت، من كتاب الصيام. صحيح مسلم ٢/ ٨٠٤. والترمذي، في: باب ما جاء في المتصدق يرث صدقته، من أبواب الزكاة. عارضة الأحوذي ٣/ ١٧٣. وابن ماجه، في: باب من مات وعليه صيام من نذر، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه ١/ ٥٥٩. والإِمام أحمد، في: المسند ١/ ٢٢٧، ٥/ ٣٤٩، ٣٥٩.
(٢٩) أخرجه أبو داود، في: باب ما جاء في وصية الحربي يُسلم وليه أيلزمه أن ينفذها، من كتاب الوصايا. سنن أبي داود ٢/ ١٠٧.
(٣٠) في الأصل: "بوليه".
(٣١) سورة النجم ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>