للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكِلابَ، ويَشْرَبُونَ بها الخُمُورَ؟ ! قال: ادفَعْها إليهِم. وقال ابنُ أبى موسى، وأبو الخَطَّابِ: دَفْعُ الزكاةِ إلى الإمامِ العَادِلِ أفْضَلُ. وهو قَوْلُ أصْحابِ الشَّافِعِىِّ. ومِمَّنْ قال: يَدْفَعُها إلى الإمامِ؛ الشَّعْبِىُّ، ومحمدُ بن علىٍّ، وأبو رَزِين، والأوْزَاعِىُّ؛ لأنَّ الإمامَ أعْلَمُ بمَصَارِفِها، ودَفْعُها إليه يُبَرِّئُه ظَاهِرًا وبَاطِنًا، ودَفْعُها إلى الفَقِيرِ لا يُبَرِّئُه بَاطِنًا، لاحْتِمَالِ أنْ يكونَ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ لها، ولأنَّه يَخْرُجُ من الخِلافِ، وتَزُولُ عنه التُّهْمَةُ. وكان ابنُ عمرَ يَدْفَعُ زكاتَه إلَى من جَاءَهُ مِن سُعَاةِ ابن الزُّبَيْرِ، أو نَجْدَةَ الحَرُورِىِّ. وقد رُوِىَ عن سُهَيْلِ (١١) بن أبى صَالِحٍ، قال: أتَيْتُ سعدَ بن أبِى وَقَّاص، فقلتُ: عِنْدِى مَالٌ، وأُرِيدُ أنْ أُخْرِجَ زكاتَه، وهؤلاءِ القَوْمُ على ما تَرَى، فما تَأْمُرُنِى؟ قال: ادْفَعْها إليهم. فأتَيْتُ ابنَ عمرَ، فقال مثلَ ذلك، فأتَيْتُ أبا هُرَيْرَةَ، فقال مثلَ ذلك، فأتَيْتُ أبا سعيدٍ، فقال مثلَ ذلك (١٢). ورُوِىَ (١٣) نَحْوُه عن عائشةَ، رَضِىَ اللهُ عنها. وقال مَالِكٌ، وأبو حنيفةَ، وأبو عُبَيْدٍ: لا يُفَرِّقُ الأمْوَال الظَّاهِرَةَ إلَّا الإمامُ؛ لِقَوْلِ اللهِ تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (١٤). ولأنَّ أبا بكرٍ، رَضِىَ اللَّه عنه، طَالَبَهم بالزَّكاةِ، وقَاتَلَهم عليها، وقال: لَوْ مَنَعُونِى عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَها إلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقَاتَلْتُهُم عليها (١٥). ووَافَقَه الصَّحابَةُ علَى هذا، ولأنَّ ما لِلْإِمامِ قَبْضُهُ بِحُكْمِ الوِلايَةِ، لا يجوزُ دَفْعُه إلى المُوَلَّى عليه، كَولِىِّ اليَتِيمِ. وللشَّافِعِىِّ قَوْلَانِ


(١١) فى ب: "سهل". وهو سهيل ابن أبى صالح ذكوان السمان، ثبت فى الحديث، أرخ ابن قانع وفاته سنة ثمان وثلاثين ومائة. تهذيب التهذيب ٤/ ٢٦٢ - ٢٦٥.
(١٢) أخرجه البيهقى، فى: باب الاختيار فى دفعها إلى الوالى، من كتاب الزكاة. السنن الكبرى ٤/ ١١٥. وعبد الرزاق، فى: باب موضع الصدقة ودفع الصدقة فى مواضعها، من كتاب الزكاة. المصنف ٤/ ٤٦. وابن أبى شيبة، فى: باب من قال تدفع الزكاة إلى السلطان، من كتاب الزكاة. المصنف ٣/ ١٥٦.
(١٣) فى أ، م: "ويروى".
(١٤) سورة التوبة ١٠٣.
(١٥) فى الأصل: "عليه".
وتقدم كلام أبى بكر فى صفحة ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>