للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالمَذْهَبَيْنِ. ولَنا، على جَوَازِ دَفْعِها بِنَفْسِه، أنَّه دَفْعُ الحَقِّ إلى مُسْتَحِقِّه الجَائِزِ تَصَرُّفُه. فأجْزَأهُ، كما لو دَفَعَ الدَّيْنَ إلى غَرِيمِه، وكزكاةِ الأمْوَالِ البَاطِنَةِ، ولأنَّه أحَدُ نَوْعَىِ الزكاةِ، فأشْبَهَ النَّوْعَ الآخَرَ، والآيةُ تَدُلُّ على أنَّ لِلْإمَامِ أخْذَها. ولا خِلافَ فيه، ومُطَالَبَةُ أبى بكرٍ لهم بها، لِكَوْنِهِم لم يُؤَدُّوها إلى أهْلِهِا، [ولو أدَّوْها إلى أهْلِها] (١٦) لم يُقَاتِلْهم عليها؛ لأنَّ ذلك مُخْتَلَفٌ فى إجْزَائِه، فلا تجوزُ المُقَاتَلَةُ من أجْلِهِ، وإنَّما يُطَالِبُ الإمامُ بِحُكْمِ الوِلَايَةِ والنِّيَابَةِ عن مُسْتَحِقِّيها (١٧)، فإذا دَفَعَها إليهم جَازَ؛ لأنَّهم أهْلُ رُشْدٍ، فجَازَ الدَّفْعُ إليهم، بِخِلافِ اليَتِيمِ. وأمَّا وَجْهُ فَضِيلَةِ دَفْعِها بِنَفْسِه، فلأنَّه إيصَالٌ لِلْحَقِّ (١٨) إلى مُسْتَحِقِّه، مع تَوْفِيرِ أجْر العِمَالَةِ، وصِيَانَةِ حَقِّهِم، عن خَطَرِ الخِيَانَةِ، ومُبَاشَرَةِ تَفْرِيج كُرْبَةِ مُسْتَحِقِّها، وإغْنَائِه بها، مع إعْطَائِها لِلْأَوْلَى بها؛ من مَحَاوِيج أقَارِبِه، وذَوِى رَحِمِه، وصِلَةِ رَحِمِه بها، فكان أفْضَلَ، كما لو لم يكنْ آخِذُها من أهْلِ العَدْلِ. فإن قِيلَ: فالكلامُ فى الإمامِ العَادِلِ، والخِيَانَةُ (١٩) مَأْمُونَةٌ فى حَقِّه. قُلْنا: الإمامُ لا يَتَوَلَّى ذلك بِنَفْسِه، وإنَّما يُفَوِّضُه إلى نُوَّابِه (٢٠)، فلا تُؤْمَنُ منهم الخِيَانَةُ، ثم رُبَّما لا يَصِلُ إلى المُسْتَحِقِّ الذى قد عَلِمَهُ المالِكُ من أهْلِهِ وجِيرَانِه شىءٌ منها، وهم أحَقُّ النَّاسِ بِصِلَتِه ؤصَدَقَتِه ومُوَاسَاتِه. وقَوْلُهم: إنَّ أخْذَ الإمامِ يُبَرِّئُه (٢١) ظَاهِرًا وبَاطِنًا. قُلْنَا: يَبْطُلُ هذا بِدَفْعِها إلى غَيْرِ العادِلِ؛ فإنَّه يُبَرِّئُه أيضا، وقد سَلَّمُوا أنَّه ليس بأفْضَلَ، ثم إنَّ البَرَاءَةَ الظَّاهِرَةَ تَكْفِى. وقَوْلُهم: إنَّه تَزُولُ به التُّهْمَةُ. قُلْنَا: متى أظْهَرَها زَالَتِ التُّهْمَةُ، سَوَاءٌ أخْرَجَها بِنَفْسِه، أو دَفَعَها إلى الإمامِ، ولا يَخْتَلِفُ المَذْهَبُ أنَّ


(١٦) سقط من: الأصل.
(١٧) فى الأصل، ب: "مستحقها".
(١٨) فى أ، م: "الحق".
(١٩) فى أ، م: "إذ الخيانة".
(٢٠) فى م: "سعاته".
(٢١) فى الأصل: "يبرأ به".

<<  <  ج: ص:  >  >>