للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قِيلَ: يحتمِلُ أنَّها كانت حَبِيسًا (٩) في سَبِيلِ اللهِ فَمَنَعَهُ لذلك. قُلْنا: لو كانت حَبِيسًا (٩) لَما بَاعَها الذي (١٠) هي (١١) في يَدهِ، ولا هَمَّ عمرُ بِشِرَائِها، بل كان يُنْكِرُ على البَائِعِ ويَمْنَعُه، فإنَّه لم يكنْ يُقِرُّ على مُنْكَرٍ، فكيف يَفْعَلُه، ويُعِينُ عليه. ولأنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما أنكَرَ بَيْعَها، إنَّما أنْكَرَ على عمرَ الشِّرَاءَ، مُعَلِّلًا بِكَوْنِه عَائِدًا في الصَّدَقَةِ. الثاني، أنَّنا نَحْتَجُّ بِعُمُومِ اللَّفْظِ مِن غيرِ نَظَرٍ إلى خُصُوصِ السَّبَبِ، فإنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا تَعُدْ في صَدَقَتِكَ" أي بالشِّرَاءِ "فَإنَّ العَائِدَ في صَدَقَتِه كالعَائِدِ في قَيْئِه". والأخْذُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ أَوْلَى مِن التَّمَسُّكِ بِخُصُوصِ السَّبَبِ. فإنْ قِيلَ: فإن اللَّفْظَ لا يَتَنَاوَلُ الشِّرَاءَ، فإنَّ العَوْدَ في الصَّدَقَةِ ارْتِجاعُها (١٢) بغَيْرِ عِوَضٍ، وفَسْخٌ لِلْعَقْدِ، كالعَوْدِ في الهِبَةِ، والدَّلِيلُ على هذا قولُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "العَائِدُ في هِبَتِهِ كالعَائِدِ في قَيْئِه" (١٣). ولو وَهَبَ إنْسانًا شيئًا، ثم اشْتَرَاهُ منه، جازَ. قُلْنا: النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ ذلك جَوَابًا لِعمرَ حين سَألَهُ عن شِراءِ الفَرَسِ، فلو لم يَكُنِ اللَّفْظُ


= الزكاة. عارضة الأحوذي ٣/ ١٧٤. والنسائي، في: باب شراء الصدقة، من كتاب الزكاة. المجتبى ٥/ ٨٢. وابن ماجه، في: باب الرجوع في الصدقة، من كتاب الزكاة. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٩٩. والإمام مالك، في: باب اشتراء الصدقة والعود فيها، من كتاب الزكاة. الموطأ ١/ ٢٨٢. والإمام أحمد، في: المسند ١/ ٢٥، ٣٧، ٤٠، ٥٤، ٢/ ٧، ٣٤، ٥٥، ١٠٣.
(٩) في أ، ب، م: "حبسا".
(١٠) في الأصل، أ، م: "للذي".
(١١) سقط من: الأصل، م.
(١٢) في أ، ب، م: "استرجاعها".
(١٣) أخرجه البخاري، في: باب هبة الرجل لامرأته، من كتاب الهبة، وفي: باب في الهبة والشفعة، من كتاب الحيل. صحيح البخاري ٣/ ٢٠٧، ٩/ ٣٥. ومسلم، في: باب تحريم الرجوع في الصدقة ... ، من كتاب الهبات. صحيح مسلم ٣/ ١٢٤١. وأبو داود، في: باب الرجوع في الهبة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٦١. والنسائي، في: باب رجوع الوالد فيما يعطى ولده، وباب ذكر الاختلاف لخبر عبد اللَّه بن عباس فيه، وباب ذكر الاختلاف على طاوس في الراجع في هبته، من كتاب الهبة، وفي: باب ذكر الاختلاف على أبي الزبير، من كتاب الرقبى. المجتبى ٦/ ٢٢٢، ٢٢٥، ٢٢٧. والإمام أحمد، في: المسند ١/ ٢١٧، ٢٥٠، ٢٨٠، ٢٩١، ٣٢٧، ٣٣٩، ٣٤٢، ٣٤٥، ٢/ ١٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>