للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبى حنيفةَ؛ لأنَّه فِطْرٌ بغيرِ جِماعٍ تَامٍّ، فأشْبَهَ القُبْلَةَ، ولأنَّ الأصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الكَفَّارَةِ، ولا نَصَّ فى وُجُوبِها ولا إجْمَاعَ ولا قِياسَ، ولا يَصِحُّ القِياسُ على الجِمَاعِ فى الفَرْجِ؛ لأنَّه أبْلَغُ، بِدَلِيلِ أنَّه يُوجِبُها من غيرِ إنْزَالٍ، ويَجِبُ به الحَدُّ إذا كان مُحَرَّمًا، ويَتَعَلَّقُ به اثْنَا عَشَرَ حُكْمًا. ولأنَّ العِلَّةَ فى الأصْلِ الجِمَاعُ بدون الإِنْزَالِ، والجِمَاعُ هاهُنا غيرُ مُوجِبٍ، فلم يَصِحَّ اعْتِبارُه به. المسألة الرابعة، أنَّه جَامَعَ نَاسِيًا، فظاهِرُ المذهبِ أنَّه كالعَامِدِ. نَصَّ عليه أحمدُ. وهو قولُ عَطاءٍ، وابْنِ الماجِشُون. ورَوَى أبو دَاوُدَ، عن أحمدَ، أنَّه تَوَقَّفَ عن الجَوَابِ، وقال: أجْبُنُ أنْ أَقُولَ فيه شيئا، وأن أقولَ ليس عليه شىءٌ. قال: سَمِعْتُه غيرَ مَرَّةٍ لا يَنْفُذُ له فيه قَوْلٌ. ونَقَلَ أحمدُ بن القاسِمِ عنه: كُلُّ أمْرٍ غُلِبَ عليه الصَّائِمُ، ليس عليه قَضاءٌ ولا غيرُه. قال أبو الخَطَّابِ: هذا يَدُلُّ على إسْقَاطِ القَضَاءِ والكَفَّارَةِ مع الإِكْرَاهِ والنِّسْيَانِ. وهو قولُ الحسنِ، ومُجاهِدٍ، والثَّوْرِىِّ، والشَّافِعِىِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ؛ لأنَّه مَعْنًى حَرَّمَهُ الصَّوْمُ، فإذا وُجِدَ منه مُكْرَهًا أو نَاسِيًا، لم يُفْسِدْهُ كالأكْلِ. وكان مَالِكٌ، والأوْزاعِىُّ، واللَّيْثُ، يُوجِبُونَ القَضاءَ دون الكَفَّارَةِ؛ لأنَّ الكَفَّارَةَ لِرَفْعِ الإِثْمِ، وهو مَحْطُوطٌ عن النَّاسِى. ولَنا، أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمَرَ الذى قال: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِى. بالكَفَّارَةِ، ولم يَسْأَلْهُ عن العَمْدِ، ولو افْتَرَقَ الحالُ لَسألَ واسْتَفْصَلَ، ولأنَّه يَجِبُ التَّعْلِيلُ بما تَنَاوَلَهُ لَفْظُ السَّائِلِ، وهو الوُقُوعُ على المَرْأَةِ فى الصَّوْمِ، ولأنَّ السُّؤَالَ كالمُعاد فى الجَوَابِ، فكأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: مَنْ وَقَعَ على أهْلِه فى رمضانَ فَلْيُعْتِقْ رَقَبَةً. فإن قِيلَ: ففِى الحَدِيثِ ما يَدُلُّ على العَمْدِ، وهو قولُه: هَلَكْتُ (٨). وَرُوِىَ: احْتَرَقْتُ. قُلْنا: يجوزُ أن يُخْبِرَ عن هَلَكَتِه لما يَعْتَقِدُه فى الجِمَاعِ مع النِّسْيَانِ من إفْسادِ الصَّوْمِ (٩)، وخَوْفِه من غير ذلك، ولأنَّ الصَّوْمَ عِبادَةٌ


(٨) فى الأصل زيادة: "وأهلكت".
(٩) فى ازيادة: "ووجوب الكفارة".

<<  <  ج: ص:  >  >>