كتاب المغني لابن قدامة - ت التركي

كتاب الصيام - ٥٢١ - مسألة؛ قال: (والاختيار تأخير السحور، وتعجيل الفطر) - ج: 4 - ص: 437

النَّهارِ له ولا لِغَيرِه. إذا ثَبت هذا، فإنَّ الوِصَالَ غيرُ مُحَرَّمٍ. وظاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِىِّ أنَّه مُحَرَّمٌ، تَقْرِيرًا لِظَاهِرِ النَّهْىِ فى التَّحْرِيمِ. ولَنا، أنَّه تَرك الأَكْل والشُّرْب المُباح، فلم يَكُنْ مُحَرَّمًا، كما لو تَرَكَه فى حَالِ الفِطْرِ. فإن قِيلَ: فصَوْمُ يَوْمِ العِيدِ مُحَرَّمٌ، مع كَوْنِه تَرْكًا لِلْأَكْلِ والشُّرْبِ المُباحِ. قُلْنا: ما حُرِّمَ تَرْكُ الأَكْلِ والشُّرْبِ بِنَفْسِه؛ وإنَّما حُرِّمَ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ، ولهذا لو تَرَكَهُ مِن غيرِ نِيَّةِ الصَّوْمِ لم يَكُنْ مُحَرَّمًا. وأما النَّهْىُ فإنَّما أتَى به رَحْمَةً لهم، ورِفْقًا بهم؛ لما فيه من المَشَقَّةِ عليهم. كما نَهَى عبدَ اللهِ بن عَمْرٍو عن صِيامِ النَّهارِ، وقِيامِ اللَّيْلِ، وعن قِرَاءَةِ القُرْآنِ فى أَقَلَّ من ثَلَاثٍ. قالتْ عائشةُ: نَهَى رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الوِصَالِ، رَحْمَةً لهم (٢٣). وهذا لا يَقْتَضِى التَّحْرِيمَ، ولهذا لم يَفْهَمْ منه أصْحابُ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التَّحْرِيمَ، بِدَلِيلِ أنَّهم وَاصَلُوا بعدَه، ولو فَهِمُوا منه التَّحْرِيمَ لما اسْتَجَازُوا فِعْلَهُ. قال أبو هُرَيْرَةَ: نَهَى رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الوِصَالِ، فلمَّا أبَوْا أن يَنْتَهُوا، وَاصَلَ بهم يَوْمًا ويَوْمًا، ثم رَأوا الهِلَالَ. فقال: "لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ". كالْمُنَكِّلِ لهم حِينَ أَبَوْا أن يَنْتَهُوا. مُتَّفَقٌ عليه (٢٤). فإن وَاصَلَ من سَحَرٍ إلى سَحَرٍ جازَ؛ لما رَوَى أبو سَعِيدٍ، أنَّه سَمِعَ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقولُ: "لَا تُوَاصِلُوا، فَأَيُّكُمْ أرَادَ أنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ" أخْرَجَهُ البُخَارِىُّ (٢٥). وتَعْجِيلُ الفِطْرِ أفْضَلُ، لما قَدَّمْنَاهُ.

---

(٢٣) أخرجه البخارى، فى: باب الوصال ومن قال ليس فى الليل صيام، من كتاب الصوم. صحيح البخارى ٣/ ٤٨. ومسلم، فى: باب النهى عن الوصال فى الصوم، من كتاب الصيام. صحيح مسلم ٢/ ٧٧٦.
(٢٤) أخرجه البخارى، فى: باب كم التعزير والأدب، من كتاب الحدود. وفى: باب ما يجوز من اللو، من كتاب التمنى. وفى: باب ما يكره من التعمق. . .، من كتاب الاعتصام. صحيح البخارى ٨/ ٢١٦، ٩/ ١٠٦، ١١٩. ومسلم، فى: باب النهى عن الوصال فى الصوم، من كتاب الصيام. صحيح مسلم ٢/ ٧٧٤.
كما أخرجه الدارمى، فى: باب النهى عن الوصال فى الصوم، من كتاب الصوم. سنن الدارمى ٢/ ٨. والإِمام أحمد، فى: المسند ٢/ ٢٨١، ٥١٦.
(٢٥) فى: باب الوصال ومن قال ليس فى الليل صيام، من كتاب الصوم. صحيح البخارى ٣/ ٤٨. كما أخرجه أبو داود، فى: باب فى الوصال، من كتاب الصيام. سنن أبى داود ١/ ٥٥١. والدارمى، =