للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- -يَعْنِى المُتْعَةَ- وهذا يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ بِالعُرْشِ. يَعْنِى الذى نَهَى عنها، والعُرْشُ: بُيُوت مَكَّةَ. وقال أحمدُ، حين ذُكِرَ له حديثُ أبي ذَرٍّ: أفيَقُولُ بهذا أحَدٌ! المُتْعَةُ في كِتابِ اللهِ، وقد أجْمَعَ المُسلمون على جَوَازِها. فإن قِيلَ: فقد رَوَى أبو دَاوُدَ (٣٢)، بإسْنَادِه عن سعيدِ بن المُسَيَّبِ، أن رجلًا من أصْحابِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتَى عمرَ، فشَهِدَ عنده أنَّه سَمِعَ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَى عن العُمْرَةِ قبل الحَجِّ. قُلْنا: هذا حَالُه في مُخالَفَة الكِتابِ والسُّنَّةِ والإِجْمَاعِ، كحال حَدِيثِ أبِى ذَرٍّ، بل هو أدْنَى حالًا، فإنَّ في إسْنَادِه مَقَالًا. فإن قِيلَ: فقد نَهَى عنها عمرُ، وعثمانُ، ومُعاوِيَةُ. قُلْنا: فقد أنْكَرَ عليهم عُلمَاءُ الصَّحابَةِ نَهْيَهم عنها، وخَالَفُوهم في فِعْلِها، والحَقُّ مع المُنْكِرِينَ عليهم دُونَهم، وقد ذَكَرْنا إنْكارَ عليٍّ علَى عثمانَ، واعْتِرَافَ عُثمانَ له، وقَوْلَ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ مُنْكِرًا لِنَهْىِ مَن نَهَى، وقَوْلَ سَعْدٍ عَائِبًا على مُعاوِيَةَ نَهْيَهُ عنها، وَرَدَّهم عليهم بِحُجَجٍ لم يكُنْ لهم جَوَابٌ عنها، بل قد ذَكَرَ بعضُ مَن نَهَى عنها في كَلَامِه، ما يَرُدُّ نَهْيَه، فقال عمرُ: واللهِ إنِّي لأنْهَاكم عنها، وإنَّها لَفِى كِتابِ اللهِ، وقد صَنَعَها رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ولا خِلافَ في أنَّ مَن خَالَفَ كِتابَ اللهِ وسُنَّةَ رَسُولِه، ونَهَى عمَّا فيهما، حَقِيقٌ بأن لا يُقْبَلَ نَهْيُه، ولا يُحْتَجَّ به، مع أنَّه قد سُئِلَ سالِمُ بن عبدِ اللهِ بن عمرَ، أنَهَى عمرُ عن المُتْعَةِ؟ قال: لا، واللهِ ما نَهَى عنها عمرُ، ولكن قد نَهَى عثمانُ. وسُئِلَ ابنُ عمرَ عن مُتْعَةِ الحَجِّ، فأمَرَ بها، فقيلَ: إنَّك تُخَالِفُ أبَاكَ. قال: إنَّ عمرَ لم يَقُلْ الذى يقولون. ولمَّا نَهَى مُعاوِيَةُ عن المُتْعَةِ، أمَرَتْ عائشةُ حَشَمَها ومَوَالِيها أن يُهِلُّوا بها، فقال معاوِيَةُ: مَن هَؤلاء؟ فقِيلَ: حَشَمُ أو مَوَالِى عائشةَ. فأرْسَلَ إليها: ما حَمَلَكِ على ذلك؟ قالتْ: أحْبَبْتُ أن يُعْلَمَ أنَّ الذى قُلْتَ ليس كما قُلْتَ. وقيل لابنِ عَبَّاسٍ: إن فُلَانًا يَنْهَى عن المُتْعَةِ. قال: انْظُرُوا في كِتابِ اللهِ،


(٣٢) في: باب في إفراد الحج، من كتاب المناسك. سنن أبي داود ١/ ٤١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>