للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفَسادَ، كالتَّحَلُّلِ. ولَنا، أنَّ قَوْلَ الصَّحابَةِ الذين رَوَيْنَا قَوْلَهم، مُطْلَقٌ فى مَن وَاقَعَ مُحْرِمًا، ولأَنَّه جِماعٌ صَادَفَ إحْرَامًا تَامًّا، فأفْسَدَهُ، كما قبلَ الوُقُوفِ. وقَوْلُه عليه السَّلَامُ: "الحَجُّ عَرَفَةُ" يَعْنِى: مُعْظَمه. أو أنَّه رُكْنٌ مُتَأكَّدٌ فيه. ولا يَلْزَمُ مِن أَمْنِ الفَوَاتِ أَمْنُ الفَسَاد، بِدَلِيلِ العُمْرَةِ. إذا ثَبَتَ هذا فإنَّه يَجِبُ على المُجَامِعِ بَدَنَةٌ. رُوِىَ ذلك عن ابْنِ عَبَّاسٍ، وعَطاءٍ، وطاوُسٍ، ومُجاهِدٍ، ومالِكٍ، والشَّافِعِىِّ، وأبي ثَوْرٍ. وقال الثَّوْرِىُّ، وإسحاقُ: عليه بَدَنَةٌ، فإن لم يَجِدْ فشَاةٌ. وقال أصْحَابُ الرَّأْىِ: إن جَامَعَ قبلَ الوُقوفِ فَسَدَ حَجُّهُ، وعليه شَاةٌ، وإن كان بعدَه فعليه بَدَنَةٌ، وحَجُّهُ صَحِيحٌ؛ لأنَّه قبلَ الوُقُوفِ معنًى يُوجِبُ القَضَاءَ، فلم يَجِبْ به بَدَنَةٌ، كالفَوَاتِ. ولَنا، أنَّه جِمَاعٌ صَادَفَ إحْرَامًا تَامًّا، فوَجَبَتْ به البَدَنَةُ، كبَعْد الوُقُوفِ، ولأنَّه قَوْلُ مَن سَمَّيْنَا من الصَّحابَةِ، ولم يُفَرِّقُوا بين قبْلَ (٦) الوُقُوفِ وبعدَه. وأمَّا الفَواتُ فهو مُفَارِقٌ لِلْجِماعِ بِالإِجْماعِ، ولذلك لا يُوجِبُونَ فيه الشَّاةَ، بِخِلافِ الجِماعِ. وإذا كانت المَرْأَةُ مُكْرَهَةً على الجِمَاعِ، فلا هَدْىَ عليها، ولا على الرَّجُلِ أن يُهْدِىَ عنها. نَصَّ عليه أحمدُ؛ لأنَّه جِمَاعٌ يُوجِبُ الكَفَّارَةَ، فلم تُوجَبْ (٧) حالَ الإِكْرَاهِ أَكْثَرُ مِن كَفَّارَةٍ واحِدَةٍ، كما فى الصيامِ. وهذا قولُ إسحاقَ، وأبي ثَوْرٍ، وابنِ المُنْذِرِ. وعن أحمدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى: أنَّ عليه أن يُهْدِىَ عنها. وهو قولُ عَطاءٍ، ومالِكٍ؛ لأنَّ إفْسادَ الحَجِّ وُجِدَ منه فى حَقِّهِما، فكان عليه لإفْسَادِهِ حَجَّهَا هَدْىٌ، قِيَاسًا على حَجِّهِ. وعنه ما يَدُلُّ على أنَّ الهَدْىَ عليها؛ لأنَّ فَسَادَ الحَجِّ ثَبَتَ (٨) بِالنِّسْبَةِ إليها، فكان الهَدْىُ عليها، كما لو طَاوَعَتْ. ويَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ أنَّ الهَدْىَ عليها، يَتَحَمَّلُهُ الزَّوْجُ عنها، فلا يكونُ رِوَايَةً ثَالِثَةً. فأمَّا حالَ المُطَاوَعَةِ، فعلى كلِّ واحِدٍ منهما


(٦) سقط من: ب، م.
(٧) فى م: "تجب به".
(٨) فى الأصل: "يثبت".

<<  <  ج: ص:  >  >>