للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو مُتَمَتِّعٌ. فإن خَرَجَ ورَجَعَ، فليس بمُتَمَتِّعٍ. وعن ابنِ عمرَ نحوُ ذلك. ولأنَّه إذا رَجَعَ إلى المِيقَاتِ، أو ما دُونَه، لَزِمَهُ الإحْرَامُ منه، فإن كان بَعِيدًا فقد أنْشَأَ سَفَرًا بَعِيدًا لِحَجِّهِ، فلم يَتَرَفَّهْ بأحَدِ السَّفَرَيْنِ، فلم يَلْزَمْه دَمٌ، كَمَوْضِعِ الوِفَاقِ. والآيَةُ تَنَاوَلَتِ المُتَمَتِّعَ، وهذا ليس بِمُتَمَتِّعٍ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِ عمرَ. الرَّابِع، أنْ يَحِلَّ من إحْرَامِ العُمْرَةِ قبلَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ، فإن أدْخَلَ الحَجَّ على العُمْرَةِ قَبلَ حِلِّه منها، كما فَعَلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والَّذِينَ كان معهم الهَدْىُ من أَصْحابه، فهذا يَصِيرُ قَارِنًا، ولا يَلْزَمُه دَمُ المُتْعَةِ. قالتْ عائشةُ: خَرَجْنَا مع رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عامَ حَجَّةِ الوَداعِ، فأهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، فقَدِمْتُ مَكَّةَ وأنا حَائِضٌ، لم أطُفْ بِالْبَيْتِ، ولا بين الصَّفَا والمَرْوَةِ، فشَكَوْتُ ذلك إلى رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: "انْقُضِى رَأْسَكِ، وامْتَشِطِى، وأَهِلِّى بِالحَجِّ، ودَعِى العُمْرَةَ". قالتْ: ففَعَلْتُ، فلمَّا قَضَيْنَا الحَجَّ، أَرْسَلَنِى رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع عبدِ الرحمنِ بن أبِى بكرٍ إلى التَّنْعِيمِ، فاعْتَمَرْتُ معه، فقال: "هذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِكِ". قال عُرْوَةُ: فقَضَى اللهُ حَجَّها وعُمْرَتَها، ولم يكُنْ فى شىءٍ من ذلك هَدْىٌ ولا صَوْمٌ ولا صَدَقَةٌ. مُتَّفَقٌ عليه (٢٣). ولكن عليه دَمٌ لِلْقِرَانِ؛ لأنَّه صَارَ قَارِنًا، وتَرَفَّهَ بِسُقُوطِ أحَدِ السَّفَرَيْنِ. وقَوْلُ عُرْوَةَ: لم يَكُنْ فى ذلك هَدْىٌ. يَحْتَمِلُ أنَّه أرَادَ لم يَكُنْ فيه هَدْىٌ لِلْمُتْعَةِ، إذ قد ثَبَتَ أنَّ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَبَحَ عن نِسائِه بَقَرَةً بَيْنَهُنَّ (٢٤). الخامس، أن لا يكونَ من حَاضِرِى المَسْجِدِ الحَرامِ. ولا خِلافَ بين أهْلِ العِلْمِ، فى أنَّ دَمَ المُتْعَةِ لا يَجِبُ على حاضِرِ (٢٥) المَسْجدِ الحَرامِ، إذ قد نَصَّ اللهُ تعالى فى كِتَابِه بِقَوْلِه سُبْحَانَه: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}. ولأنَّ حَاضِرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ مِيقَاتُه


(٢٣) تقدم تخريجه فى صفحة ٢٤٢.
(٢٤) أخرجه أبو داود، فى: باب فى هدى البقرة، من كتاب المناسك. سنن أبى داود ١/ ٤٠٦. وابن ماجه، فى: باب عن كم تجزئ البدنة والبقرة؟ من كتاب الأضاحى. سنن ابن ماجه ٢/ ١٠٤٧.
(٢٥) فى أ، ب، م: "حاضرى".

<<  <  ج: ص:  >  >>