للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفْعَالًا لا يُصامُ فيها، إنَّما يُصامُ فى وَقْتِها، أو فى أشْهُرِها. فهو [كَقَولِ اللهِ] (٩) تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ} (١٠). وأمَّا تَقْدِيمُه على وَقْتِ الوُجُوبِ، فيجوزُ إذا وُجِدَ السَّبَبُ، كتَقْدِيمِه الكَفَّارَةَ على الحِنْثِ (١١)، وزُهُوقِ النَّفْسِ. وأمَّا كَوْنُه بَدَلًا، فلا يُقَدَّمُ على المُبْدَلِ، فقد ذَكَرْنَا رِوَايَةً فى جَوَازِ تَقْدِيمِ الهَدْىِ على إحْرَامِ الحَجِّ، فكذلك الصَّوْمُ. وأما تَقْدِيمُ الصَّوْمِ على إحْرَامِ العُمْرَةِ، فغيرُ جَائِزٍ. ولا نَعْلَمُ قَائِلًا بِجَوَازِه، إلا رِوَايَةً حَكَاها بعضُ أصْحابِنَا عن أحمدَ، وليس بِشىءٍ؛ لأنَّه (١٢) يُقَدِّمُ الصَّوْمَ على سَبَبِه وَوُجُوبِه، ويُخَالِفُ قَوْلَ أهْلِ العِلْمِ. وأحمدُ يُنَزَّهُ عن هذا. وأمَّا السَّبْعَةُ، فلها أيضا وَقْتانِ؛ وَقْتُ اخْتِيارٍ، وَوَقْتُ جَوازٍ. أمَّا وَقْتُ الاخْتِيارِ، فإذا رَجَعَ إلى أهْلِه؛ لما رَوَى ابنُ عمرَ، أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ فِى الْحَجِّ وسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلى أَهْلِهِ". مُتَّفَقٌ عليه (١٣). وأمَّا وَقْتُ الجَوَازِ، فمنذُ تَمْضِى أيَّامُ التَّشْرِيقِ. قال الأثْرَمُ: سُئِلَ أحمدُ، هل يصومُ فى الطَّرِيقِ أو بمَكَّةَ؟ قال: كيف شاءَ. وبهذا قال أبو حنيفةَ، ومَالِكٌ. وعن عَطاءٍ، ومُجاهِدٍ: يَصُومُها فى الطَّرِيقِ. وهو قَوْلُ إسحاقَ. وقال ابنُ المُنْذِرِ: يَصُومُها (١٤) إذا رَجَعَ إلى أهْلِه؛ لِلْخَبَرِ. ويُرْوَى ذلك عن ابْنِ عمرَ. وهو قَوْلُ الشَّافِعِىِّ. وقِيلَ عنه كَقَوْلِنا، كقَوْلِ إسحاقَ. ولَنا، أنَّ كُلَّ صَوْمٍ لَزِمَهُ، وجازَ فى وَطَنِه، جازَ قبلَ ذلك، كَسائِرِ الفُرُوضِ. وأمَّا الآيَةُ، فإنَّ اللهَ تعالى جَوَّزَ له تَأْخِيرَ الصِّيامِ الوَاجِبِ، فلا يَمْنَعُ ذلك الإِجْزَاءَ قبلَه، كتَأْخِيرِ صَوْمِ رمضانَ فى السَّفَرِ والمَرَضِ، بِقَوْلِه سُبْحَانَه: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (١٥). ولأنَّ الصَّوْمَ وُجِدَ


(٩) فى ب، م: "فى قوله".
(١٠) سورة البقرة ١٩٧.
(١١) فى النسخ: "الحدث". والتصويب من الشرح الكبير ٢/ ١٧٩.
(١٢) فى أ، ب، م زيادة: "لا".
(١٣) تقدم تخريجه فى صفحة ٢٤١.
(١٤) سقط من: أ.
(١٥) سورة البقرة ١٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>