للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُقُوبَةَ عليهما. وقَتْلُ الصَّيْدِ نَوْعانِ، مُباحٌ ومُحَرَّمٌ، فَالمُحرَّمُ قَتْلُه ابْتِدَاءً مِن غيرِ سَبَبٍ يُبِيحُ قَتْلَه، ففيه الجَزاءُ. والمُبَاحُ ثلاثةُ أنْواعٍ؛ أحَدُها، أن يُضْطَرَّ إلى أكْلِه، فيُباحُ له ذلك بغيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه؛ فإنَّ اللهَ تعالى قال: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (٢). وتَرْكُ الأكْلِ مع القُدْرَةِ عِند الضَّرورَةِ إلْقَاءٌ بِيَدِه إلى التَّهْلُكَةِ، ومَتَى قَتَلَه ضَمِنَهُ، سَواءٌ وَجَدَ غَيْرَه أو لم يَجِدْ. وقال الأَوْزَاعِىُّ: لا يَضْمَنُه؛ لأنَّه مُباحٌ، أشْبَهَ صَيْدَ البَحْرِ. ولَنا، عُمُومُ الآيةِ، ولأنَّه قَتْلٌ من غَيْرِ مَعْنًى يَحْدُثُ من الصَّيْدِ يَقْتَضِى قَتْلَه، فضَمِنَه كغيرِه، ولأنَّه أتْلَفَه لِدَفْعِ الأذَى عنه لا لِمَعْنًى فيه، أشْبَهَ حَلْقَ الشَّعْرِ لِأذًى بِرأسِهِ. النوع الثاني، إذا صَالَ عليه صَيْدٌ فلم يَقْدِرْ على دَفْعِه إلَّا بِقَتْلِه، فله قَتْلُه، ولا ضَمانَ عليه. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ. وقال أبو بكرٍ: عليه الجَزَاءُ. وهو قَوْلُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّه قَتَلَه لِحاجَةِ نَفْسِه، أشْبَه قَتْلَه لِحاجَتِه إلى أكْلِه. ولَنا، أنَّه حَيَوَانٌ قَتَلَهُ لِدَفْعِ شَرِّهِ، فلم يَضْمَنْهُ، كالآدَمِىِّ الصَّائِلِ، ولأنَّه الْتَحَقَ بالمُؤْذِيَاتِ طَبْعًا، فصارَ كالكلبِ العَقُورِ، ولا فَرْقَ بين أن يَخْشَى منه التَّلَفَ أَو يَخْشَى منه مَضَرَّةً، كجَرْحِه، أو إتْلَافِ مَالِه، أو بعضِ حَيَواناتِه. النوع الثالث، إذا خَلَّصَ صَيْدًا من سَبُعٍ أو شَبَكَةِ صَيَّادٍ (٣)، أو أخَذَه لِيُخَلِّصَ من رِجْلِه خَيْطًا، ونَحْوَه، فتَلِفَ بذلك، فلا ضَمانَ عليه. وبه قال عَطاءٌ. وقيل: عليه الضَّمَانُ. وهو قَوْلُ قَتادَةَ؛ لِعُمُومِ الآية، ولأنَّ غَايةَ ما فيه أنَّه عَدِمَ القَصْدَ إلى قَتْلِه، فأشْبَهَ قَتْلَ الخَطَأِ. ولَنا، أنَّه فِعْلٌ أُبِيحَ لِحاجَةِ الحَيَوانِ، فلم يَضْمَنْ ما تَلِفَ به، كما لو دَاوَى وَلِىُّ الصَّبِىِّ الصَّبِىَّ فمات بذلك، وهذا ليس بمُتَعَمِّدٍ، فلا تَتَنَاوَلُه الآيةُ. الفصل الثاني، أنَّه لا فَرْقَ بين الخَطَأِ والعَمْدِ فى قَتْلِ الصَّيْدِ فى وُجُوبِ الجَزاءِ، على إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وبه قال الحسنُ، وعَطاءٌ، والنَّخَعِىُّ، ومالِكٌ، والثَّوْرِىُّ، والشَّافِعِىُّ،


(٢) سورة البقرة ١٩٥.
(٣) سقط من: الأصل، أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>