للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَذْبَحُه المُحْرِمُ إذا لم يَكُنْ صَيْدًا. والصَّحِيحُ أنَّه يَحْرُمُ عليه ذَبْحُه، وفيه الجَزاءُ؛ لأنَّ الأصْلَ فيه الوَحْشِىُّ، فهو كالحَمامِ. الفصل الخامس، أنَّ الجَزاءَ إنَّما يَجِبُ فى صَيْدِ البَرِّ دُونَ صَيْدِ البَحْرِ، بغيرِ خِلَافٍ؛ لِقَوْلِ اللهِ تعالي: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} (٢٠). قال ابنُ عَبّاسٍ: طَعامُه ما لَفَظَه. ولا فَرْقَ بين حَيَوانِ البَحْرِ المِلْحِ وبين ما فى الأنْهارِ والعُيونِ، فإنَّ اسْمَ البَحْرِ يَتَناوَلُ الكُلَّ، قال اللهُ تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} (٢١). ولأنَّ اللهَ تعالى قَابَلَهُ بِصَيْدِ البَرِّ، بِقَوْلِه: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} (٢٠). فدَلَّ على أنَّ ما ليس من صَيْدِ البَرِّ فهو من صَيْدِ البَحْرِ، وحَيَوانُ البَحْرِ ما كان يَعِيشُ فى الماءِ، ويُفْرِخُ ويَبِيضُ فيه، فإنْ كان ممَّا لا يَعِيشُ إلَّا فى الماءِ كَالسَّمَكِ ونحوِه، فهذا ممَّا لا خِلافَ فيه، وإن كان ممَّا يَعِيشُ فى البَرِّ، كالسُّلَحْفَاةِ والسَّرَطَانِ، فهو كَالسَّمَكِ، لا جَزاءَ فيه. وقال عَطَاءٌ: فيه الجَزَاءُ، وفى الضُّفْدَعِ وكُلِّ ما يَعِيشُ فى البَرِّ. ولَنا، أنَّه يُفْرِخُ فى الماءِ ويَبِيضُ فيه، فكان من حَيوانِه، كالسَّمَكِ، فأمَّا طَيْرُ الماءِ، ففيه الجَزاءُ فى قَوْلِ عَامَّةِ أهْلِ العِلْمِ؛ منهم الأوْزاعِىُّ، والشَّافِعِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ، وغيرُهم. لا نَعْلَمُ فيه مُخَالِفًا، غيرَ ما حُكِىَ عن عَطاءٍ، أنَّه قال: حَيْثُما يكونُ أكْثَرَ (٢٢) فهو مِن صَيْدِه. ولَنا، أنَّ هذا إنَّما يُفْرِخُ فى البَرِّ ويَبِيضُ فيه، وإنَّما يَدْخُلُ الماءَ لِيَعِيشَ فيه ويَكْتَسِبَ منه، فهو كالصَّيَّادِ من الآدَمِيِّينَ. واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فى الجَرَادِ، فعنه: هو من صَيْدِ البَحْرِ، لا جَزَاءَ فيه. وهو مذهبُ أبى سَعِيدٍ. قال ابنُ المُنْذِرِ: قال ابنُ عَبّاسٍ، وكَعْبٌ: هو من


(٢٠) سورة المائدة ٩٦.
(٢١) سورة فاطر ١٢.
(٢٢) فى الأصل: "أكثر البر".

<<  <  ج: ص:  >  >>