للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل إن كانت فَرْضًا فَعَلَها بِالوُجُوبِ السَّابِق، وإن كانت نَفْلًا سَقَطَتْ. ورُوِىَ هذا عن عَطاءٍ، وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عن مالِكٍ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا سُئِلَ عن الحَجِّ أكْثَرَ من مَرَّةٍ، قال: "بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً" (١٢). ولو أوْجَبْنا القَضاءَ، كان أكْثَرَ من مَرَّةٍ، ولأنَّه مَعْذُورٌ فى تَرْكِ إتْمَامِ حَجِّه، فلم يَلْزَمْهُ القَضاءُ كالمُحْصَرِ (١٣)، ولأنَّها عِبادَةُ تَطَوُّعٍ، فلم يَجِبْ قَضاؤُها، كسَائِرِ التَّطَوُّعاتِ. ووَجْهُ الرِّوايَةِ الأُولَى ما ذَكَرْنَا من الحَدِيثِ، وإجْماعِ الصَّحَابَةِ، ورَوَى الدَّارَقُطنِىُّ (١٤)، بإسْنَادِه، عن ابْنِ عَبّاسٍ، قال: قال رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ فَاتَهُ الحَجُّ، فَلْيَحِلَّ بِعُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ". ولأنَّ الحَجَّ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فيه، فيَصِيرُ كالمَنْذُورِ، بِخِلافِ سائِرِ التَّطَوُّعاتِ. وأمَّا الحَدِيثُ، فإنَّه أرادَ الواجِبَ بِأصْلِ الشَّرْعِ حَجَّةً وَاحِدَةً، وهذه إنما تَجِبُ بإيجابِه لها بالشُّرُوعِ فيها، فهِىَ (١٥) كالمَنْذُورَةِ، وأمَّا المُحْصَرُ فإنَّه غيرُ مَنْسُوبٍ إلى التَّفْرِيطِ، بِخِلافِ مَن فَاتَهُ الحَجُّ، وإذا قَضَى أَجْزَأَهُ القَضَاءُ عن الحَجَّةِ الوَاجِبَةِ، لا نَعْلَمُ فى هذا خِلَافًا؛ لأنَّ الحَجَّةَ المَقْضِيَّة لو تَمَّتْ لأجْزَأَتْ عن الوَاجِبَةِ عليه، فكذلك قَضاؤُها؛ لأنَّ القَضاءَ يَقُومُ مَقامَ الأداءِ. الفصلُ الرَّابِعُ، أنَّ الهَدْىَ يَلْزَمُ مَن فَاتَهُ الحَجُّ، فى أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وهو قَوْلُ مَن سَمَّيْنا من الصَّحابَةِ، والفُقهاءِ، إلَّا أصْحابَ الرَّأْىِ، فإنَّهم قالوا: لا هَدْىَ عليه. وهى الرِّوايَةُ الثَّانِيَةُ عن أحمدَ؛ لأنَّه لو كان الفَواتُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الهَدْىِ، لَلَزِمَ المُحْصَرَ (١٦) هَدْيَانِ؛ لِلْفَواتِ، والإحْصارِ. ولَنا، حَدِيثُ عَطاءٍ، وإجْماعُ الصَّحابةِ، ولأنَّه حَلَّ من إحْرامِه قبلَ إتْمامِه، فَلَزِمَهُ هَدْىٌ، [كالمُحْصَرِ، والمُحْصَرُ] (١٧) لم يَفُتْ حَجُّهُ، فإنَّه يَحِلُّ قبلَ فَواتِه. إذا


(١٢) أخرجه أبو داود، فى: باب فرض الحج، من كتاب الحج. سنن أبى داود ١/ ٤٠٠. وابن ماجه، فى: باب فرض الحج، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه ٢/ ٩٦٣.
(١٣) فى ب، م: "كالمحرم".
(١٤) تقدم تخريجه فى صفحة ٤٢٥.
(١٥) سقط من: ب، م.
(١٦) فى أ، ب، م: "المحرم".
(١٧) فى ب، م: "كالمحرم".

<<  <  ج: ص:  >  >>