للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى لَفْظٍ رَواهُ الإمامُ أحمدُ (١٥): "ويُخَلِّيها وَالنَّاسَ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا هُوَ وَلَا أحَدٌ مِن أصْحَابِهِ". وقال سَعِيدٌ: حَدَّثنا إسماعيلُ بنُ إبْراهيمَ، عن أبى التَّيَّاحِ، عن مُوسَى ابن سَلَمَةَ، عن رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنَّه بَعَثَ بِثَمَانِى عَشَرَةَ بَدَنَةً مَعَ رَجُلٍ، وقال: "إنِ ازْدَحَفَ عَلَيْكَ مِنْهَا شَىْءٌ، فَانْحَرْهَا، ثُمَّ اصْبِغْ نَعْلَهَا فِى دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْ بِهَا فِى صَفْحَتِها، وَلَا تَأْكُلْ أنْتَ وَلَا أحَدٌ مِنْ أهْلِ رُفْقَتِكَ" (١٦). وهذا صَحِيحٌ مُتَضَمِّنٌ لِلزِّيادَةِ، ومَعْنًى خَاصٍّ، فيَجِبُ تَقْدِيمُه على عُمُومِ ما خالفَهُ، ولا تَصِحُّ التَّسْوِيَةُ بين رُفْقَتِه وبينَ سائِرِ النّاسِ؛ لأنَّ الإنْسانَ يُشْفِقُ على رُفْقَتِه، ويُحِبُّ التَّوْسِعَةَ عليهم، ورُبَّما وَسَّعَ عليهم مِن مُؤْنَتِه. وإنَّما مُنِعَ السَّائِقُ وَرُفْقَتُه من الأكْلِ منها؛ لِئَلَّا يُقَصِّرَ فى حِفْظِهَا، فيُعْطِبَهَا لِيَأْكُلَ هو ورُفْقَتُه منها، فتَلْحَقه التُّهْمَةُ فى عَطَبِها لِنَفْسِه وَرُفْقَتِه، فَحُرِمُوها لذلك. فإن أكَلَ منها، أو باعَ، أو أَطْعَمَ غَنِيًّا، أو رُفْقَتَه، ضَمِنَه بِمِثْلِه لَحْمًا. وإن أَتْلَفَها، أو تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِه، أو خافَ عَطَبَها، فلم يَنْحَرْهَا حتى هَلَكَتْ، فعليه ضَمَانُها بما يُوصِلُه إلى فُقَرَاءِ الحَرَمِ؛ لأنَّه لا يَتَعَذَّرُ عليه إيصالُ الضَّمَانِ إليهم، بِخِلَافِ العَاطِبِ. وإن أطْعَمَ منها فَقِيرًا، أو أَمَرَهُ بالأكْلِ منها، فلا ضَمانَ عليه؛ لأنَّه أوْصَلَه إلى المُسْتَحِقِّ، فأشْبَه ما لو أطْعَمَ فَقِيرًا بعدَ بُلُوغِه مَحِلَّه (١٧)، وإن تَعَيَّبَ ذَبْحُه أجْزَأَه. وقال أبو حنيفةَ: لا يُجْزِئُه، إلَّا أن يَحْدُثَ العَيْبُ به بعدَ إضْجاعِهِ لِلذَّبْحِ. ولَنا، أنَّه لو عَطِبَ لم يَلْزَمْهُ شىءٌ، فالعَيْبُ أوْلَى؛ لأنَّ العَطَبَ يَذْهَبُ بِجَمِيعِه، والعَيْبُ يَنْقُصُه، ولأنَّه عَيْبٌ حَدَثَ بعدَ وُجُوبِهِ، فأشْبَه ما لو حَدَثَ بعدَ إضْجَاعِهِ. وإن تَعَيَّبَ بِفِعْلِ آدَمِىٍّ، فعليه ما


(١٥) فى المسند ٤/ ٢٢٥. ولفظه عنده: "ويخليهما للناس". فى حديثه عن بدنتين.
(١٦) أخرجه مسلم بلفظ: "ست عشرة بدنة". فى: باب ما يفعل بالهدى إذا عطب. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم ٢/ ٩٦٢. وأبو داود، فى: باب فى الهدى إذا عطب قبل أن يبلغ، من كتاب المناسك. سنن أبى داود ١/ ٤٠٨. والإمام أحمد، فى: المسند ١/ ٢١٧. كلهم عن موسى بن سلمة، عن ابن عباس، عن رسول اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وازدحف افتعل، أى وقف من التعب.
(١٧) سقط من: أ، ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>