(٢٧) هذا فيه نظر من وجهين: الوجه الأول: أن هذه الآية يقصد بها المجئ إليه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فى حياته، ليستغفر للمذنبين، أما بعد موته فلا يطلب منه شىء لا الاستغفار ولا غيره، ولا يستغفر عند قبره، كما ذكر المصنف رحمه اللَّه؛ لأن الصحابة لم يكونوا يفعلون هذا عند قبره، وهم أعلم الأمة بمعنى الآية الكريمة. الوجه الثانى، أن الدعاء لا يشرع عند قبره -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإنما يشرع فى مسجده، والمشروع عند قبره وقبرى صاحبيه السلام فقط. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه، فى "مجموع الفتاوى" ١/ ٢٢٩ - ٢٣٠: فإن المعروف عن مالك وغيره من الأئمة وسائر السلف من الصحابة والتابعين، أن الداعى إذا سلم على النبى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم أراد أن يدعو لنفسه، فإنه يستقبل القبلة، ويدعو فى مسجده، ولا يستقبل القبر ويدعو لنفسه، بل إنما يستقبل القبر عند السلام على النبى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والدعاء له. هذا قول اكثر العلماء، كمالك فى إحدى الروايتين، والشافعى، وأحمد، وغيرهم، وعند أصحاب أبى حنيفة، لا يستقبل القبر وقت السلام أيضا، ثم منهم من قال: يجعل الحجرة عن يساره. وقد رواه ابن وهب عن مالك، ويسلم عليه. ومنهم من قال: بل يستدبر الحجرة، ويسلم عليه. وهذا هو المشهور عندهم. انتهى.