للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنّ حَصادَ الزَّرْعِ، وجَذَّ الرَّطْبَةِ، وجَزازَ الثَّمَرَةِ، وقَطْعَهَا، على المُشْتَرِى؛ لأنّ نَقْلَ المَبِيعِ، وتَفْرِيغَ مِلْكِ البائِعِ منه على المُشْتَرِى، كنَقْلِ الطَّعامِ المَبِيعِ من دارِ البائِعِ. ويُفارِقُ الكَيْلَ، والوَزْنَ، فإنَّهما على البائِعِ؛ لأنَّهما مِن مُؤْنَةِ التَّسْلِيمِ إلى المُشْتَرِى، والتَّسْلِيمُ على البائِعِ، وهاهُنا حَصَلَ التَّسْلِيمُ بالتَّخْلِيَةِ بدُونِ القَطْعِ، بِدَلِيلِ جوازِ بَيْعِها، والتَّصَرُّفِ فيها. وهذا مذهبُ أبى حنيفةَ، والشّافِعِيِّ. ولا أعْلَمُ فيه مُخَالِفًا.

الفصلُ الثَّانى، إذا شَرَطَه على البائِعِ، فاخْتَلَفَ أصحابُنا؛ فقال الخِرَقِيُّ: يَبْطُلُ البَيْعُ. وقال ابنُ أبى مُوسَى: لا يجوزُ. وقيلَ: يجوزُ. فإنْ قُلْنا: لا يجوزُ. فهل يَبْطُلُ البَيْعُ لِبُطلانِ الشَّرْطِ؟ على رِوايَتَيْنِ. وقال القاضى: المذهبُ جوازُ الشَّرْطِ. ذَكَرَه ابنُ حامِدٍ، وأبو بَكْرٍ. ولم (١) أجِدْ هذا الذى ذَكَرَه الخِرَقِيُّ رِوايَةً في المذهبِ. واخْتَلَفَ أصحابُ الشَّافِعِيِّ أيضًا؛ فقال بعضُهم: إذا شَرَطَ الحَصادَ على البائِعِ فَسَدَ البَيْعُ، قولًا واحِدًا. وقال بعضُهم: يَكُونُ على قَوْلَيْنِ. فَمن أفْسَدَه (٢) قال: لا يَصِحُّ لثلاثةِ مَعَانٍ؛ أحَدُها، أنَّه شَرَطَ العَمَلَ في الزَّرْعِ قبلَ أنْ يَمْلِكَه. والثَّاني، أنَّه شَرَطَ ما لا يَقْتَضِيه العَقْدُ. والثّالثُ، أنَّه شَرَطَ تَأْخِيرَ التَّسْلِيمِ؛ لأنَّ معنى ذلك تَسْلِيمُه مَقْطُوعًا. ومَن أجازَه قال: هذا بَيْعٌ، وإجارَةٌ؛ لأنّه باعَهُ الزَّرْعَ، وآجَرَه نَفْسَه على حصادِه، وكُلُّ واحِدٍ مِنهما يَصِحُّ إفرادُه بالعَقْدِ، فإذا جَمَعَهُما جازَ، كالعَيْنَيْنِ. وقولُهم: شَرَطَ العَمَلَ فيما لا يَمْلِكُه. يَبْطُلُ بِشَرْطِ رَهْنِ المَبِيعِ على الثَّمَنِ في البَيْعِ. والثّاني، يَبْطُلُ بِشَرْطِ الرَّهْنِ، والكَفِيلِ، والخِيارِ. والثّالثُ، ليس بِتَأْخِيرٍ؛ لأنّه يُمْكِنُه تَسْلِيمُه قائِمًا، ولأنَّ الشَّرْطَ مِن المُتَسَلِّمِ، فليس ذلك بِتَأْخِيرِ التَّسْلِيمِ. فإذا فَسَدَتْ هذه المعاني صَحَّ؛ لما ذَكَرْناه. فإنْ قيل: فالبَيْعُ يُخالِفُ حُكْمُه حُكْمَ الإِجارَةِ؛ لأنّ الضَّمانَ يَنْتَقِلُ في البَيْعِ بِتَسْلِيمِ العَيْنِ، بخِلافِ الإِجارَةِ، فكَيْفَ يَصِحُّ الجَمْعُ بينَهما؟ قُلنا: كما يَصِحُّ بَيْعُ الشِّقْصِ، والسَّيْفِ،


(١) في الأصل: "قال: ولم".
(٢) في م: "أفسد".

<<  <  ج: ص:  >  >>