للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحُكْمُهُما مُخْتَلِفٌ؛ فإنّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ في الشِّقْصِ دُونَ السَّيْفِ، ويجوزُ الجَمْعُ بينهما. وقولُ الخِرَقِيِّ: إنَّ العَقْدَ هاهُنا يَبْطُلُ. يَحْتَمِلُ أنْ يَخْتَصَّ بهذه المَسْأَلَةِ وشِبْهِها، ممَّا يُفْضِى الشَّرْطُ فيه إلى التَّنازُعِ، فإنَّ البائِعَ رُبَّما أرادَ قَطْعَها مِن أعلاها، لِيَبْقَى له منها بَقِيَّةٌ، والمُشْتَرِى يُرِيدُ الاسْتِقْصاءَ عليها، لِيَزِيدَ له ما يأخُذُه، فَيُفْضِى إلى التَّنازُعِ، وهو مَفْسَدَةٌ، فيَبْطُلُ البَيْعُ مِن أجْلِه. ويَحْتَمِلُ أنْ يُقاسَ عليه ما أشْبَهَه، مِن اشْتِرَاطِ مَنْفَعَةِ البائِعِ في المَبِيعِ؛ لما ذَكَرْنا في صَدْرِ المَسْأَلَةِ. والأوَّلُ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ؛ أحَدُهما، أنّه قال في مَوْضِعٍ آخَرَ: ولا يَبْطُلُ البَيْعُ بِشَرْطٍ واحدٍ. والثَّاني، أنّ المذهبَ، أنَّه يَصِحُّ اشْتِراطُ مَنْفَعَةِ البائِعِ في المَبِيعِ، مِثْلُ أنْ يَشْتَرِىَ ثَوْبًا، ويَشْتَرِطَ (٣) على بائِعِه خِياطَتَه قَمِيصًا، أو فِلْعَةً (٤)، ويَشْتَرِطَ حَذْوَها نَعْلًا، أو جُرْزَةَ (٥) حَطَبٍ، ويَشْتَرِطَ حَمْلَها إلى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ. نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوايَةِ مُهَنَّا، وغيرِه. حتى قال القاضِى: لم أجِدْ بما قال الخِرَقِىُّ رِوايَةً في أنَّه لا يَصِحُّ. واحْتَجَّ أحمدُ بأنّ محمّدَ بن مَسْلَمَةَ (٦) اشْتَرَى مِن نَبَطِىٍّ جُرْزَةَ حَطَبٍ، وشارَطَه على حَمْلِها. وبه قال إسحاقُ، وأبو عُبَيْدٍ. وقال أبو حنيفةَ: يجوزُ أنْ يَشْتَرِىَ فِلْعَةً، ويَشْتَرِطَ على البائِعِ تَشْرِيكَها (٧). وحُكِىَ عن ابنِ أبى ثَوْرٍ، والثَّوْرِيِّ أنّهما أبْطَلا العَقْدَ بهذا الشَّرْطِ؛ لأنّه شَرْطٌ فاسِدٌ، فأشْبَهَ سائِرَ الشُّرُوطِ الفاسِدَةِ، ورُوِىَ عن النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنّه نَهَى عن بَيْعٍ، وشَرْطٍ (٨). ولَنا، ما تَقَدَّمَ، ولم يَصِحَّ أنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-


(٣) في الأصل: "ويشرط".
(٤) الفِلْعَة: القطعة مِن السَّنام. لسان العرب (ف ل ع).
(٥) الجُرْزة: الحُزْمة من القَتِّ ونحوِه. لسان العرب (ج ر ز).
(٦) محمد بن مَسْلَمَة بن سلمة الأنصارى، أبو عبد اللَّه. كان من أفضل الصحابة، وهو أحد الثلاثة الذين قتلوا كعب بن الأشرف، واستخلفه النبى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض غزواته على المدينة، توفى سنة اثنتين وأربعين. أسد الغابة ٥/ ١١٢، الإصابة ٦/ ٣٣.
(٧) أشْرَك النعلَ وشَرَّكَها: جعل لها شِراكًا. والتَّشْرِيك مثلُه. والشِّراك: سَيْر النعل. لسان العرب (ش ر ك).
(٨) انظر: معالم السنن ٣/ ١٤٦، في: باب شرط وبيع، من كتاب البيوع. والتلخيص الحبير ٣/ ١٢، =

<<  <  ج: ص:  >  >>