للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو كالمَكيلِ، والمَوْزونِ. ولنا، ما رَوَى ابنُ عمرَ، قال: كُنَّا نَبيعُ الإِبِلَ بالبَقيعِ بالدَّراهمِ، فنَأْخُذُ بَدَلَ الدَّراهمِ الدَّنانيرَ، ونَبِيعُها بالدَّنَانِيرِ، فَنأخُذُ بَدَلَها الدَّرَاهِمَ، فسَأَلْنا النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك، فقال: "لا بَأْسَ، إذا تَفَرَّقْتُما وَلَيْسَ بَيْنَكُما شَىْءٌ" (١٣). وهذا تَصَرُّفٌ فى الثَّمَنِ قبلَ قَبْضِه، وهو أحدُ العِوَضَيْنِ. ورَوَى ابنُ عمرَ أنَّه كان على بَكْرٍ (١٤) صَعْبٍ -يعنى لِعُمَرَ- فقال النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لُعمرَ: "بِعْنِيهِ". فقال: هو لك يا رسولَ اللهِ. فقال النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ" (١٥). وهذا ظَاهِرُه التَّصَرُّفُ فى المَبِيعِ بالهِبَةِ قبلَ قَبْضِه. واشْتَرَى من جَابِرٍ جَمَلَهُ، ونَقَدَهُ ثَمَنَهُ، ثمَّ وَهَبَهُ إيَّاهُ قبلَ قَبْضِه (١٦). ولأنَّه أحَدُ نَوْعَىِ المَعْقودِ عليه، فجازَ التَّصَرُّفُ فيه قبلَ قَبْضِه، كالمَنافِعِ فى الإجارَةِ، فإنَّه يَجوزُ له إجارَةُ العَيْنِ المُسْتَأْجَرَةِ قبلَ قَبْضِ المَنافِعِ. ولأنَّه مَبيعٌ لا يَتَعَلَّقُ به حَقُّ (١٧) تَوْفِيَةٍ، فصَحَّ بَيْعُه، كالمالِ فى يَدِ مُودِعِه، أو مُضارِبِه. فأمَّا أحادِيثُهم، فقد قيلَ: لم يَصِحَّ منها إلَّا حَدِيثُ الطَّعامِ، وهو حُجَّةٌ لنا بمَفْهُومِه، فإنَّ تَخْصيصَه الطَّعامَ بالنَّهْىِ عن بَيْعِه قبل قَبْضِه، يَدُلُّ على إباحَةِ ذلك فيما سِوَاه. وقولُهم: لم يَتِمَّ المِلْكُ عليه، مَمْنُوعٌ، فإنَّ السَّبَبَ المُقْتَضِىَ لِلْمِلْكِ مُتَحَقِّقٌ، وأكْثَرُ ما فيه (١٨) تَخَلُّفُ


(١٣) تقدَّم تخريجه فى صفحة ١٠٧.
(١٤) البَكْر: الفَتِيُّ من الإبل.
(١٥) تقدَّم تخريجه فى صفحة ٢٥.
(١٦) حديث جابر أخرجه البخارى، فى: باب شراء الدواب والحمير، من كتاب البيوع، وباب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز، من كتاب الشروط، وباب من ضرب دابة غيره فى الغزو، من كتاب الجهاد. صحيح البخارى ٣/ ٨١، ٢٤٨، ٤/ ٣٦. ومسلم، فى: باب استحباب نكاح البكر، من كتاب الرضاع، وباب بيع البعير واستثناء ركوبه، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم ٢/ ١٠٨٩، ٣/ ١٢٢١، ١٢٢٢، ١٢٢٣. والنسائي، فى: باب البيع يكون فيه الشرط فيصح البيع والشرط، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ٢٦١، ٢٦٢.
(١٧) فى م: "حتَّى".
(١٨) سقط من: "الأصل".

<<  <  ج: ص:  >  >>