للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى الرَّدِّ على البائِعِ إضرارٌ به، ولا يُزالُ الضَّرَرُ بالضَّرَرِ. والثّانيةُ، له الرَّدُّ، ويَرُدُّ أرْشَ العَيْبِ الحادِثِ عندَه، ويَأْخُذُ الثَّمَنَ. وإنْ شاء أمْسَكَهُ، وله الأرْشُ. وبهذا قال مالِكٌ وإسْحاقُ. وقال النَّخَعِىُّ، وحَمّادُ ابن أبى سليمانَ: يَرُدُّهُ ونُقْصانَ العَيْبِ. وقال الحَكَمُ: يَرُدُّه. ولم يَذْكُرْ معه شَيْئًا. ولنا، حَدِيثُ المُصَرّاةِ؛ فإنَّ النَّبىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمَرَ بِرَدِّهَا بَعْدَ حَلْبِها، ورَدِّ عِوَضِ لَبَنِها (٦). واحْتَجَّ أحمد بأنّ عثمانَ بن عَفانَ رَضِى اللَّه عنه قَضَى فى الثَّوْبِ، إذا كان به عَوارٌ (٧)، بِرَدِّه وإنْ كان قد لَبِسَه. ولأنّه عَيْبٌ حَدَثَ عندَ المُشْتَرِى، فكان له الخِيارُ بينَ رَدِّ المَبِيعِ وأرْشِه، وبين أخْذِ أرْشِ العَيْبِ القَدِيمِ، كما لو كان حُدُوثُه لاسْتِعْلامِ المَبِيعِ. ولأنّ العَيْبَيْنِ قد استويا، والبائِعُ قد دَلَّسَ به، والمُشْتَرِى لم يُدَلِّسْ، فكان رِعَايةُ جانِبِه أوْلَى. ولأنَّ الرَّدَّ كان جائِزًا قبلَ حُدُوثِ العَيْبِ الثّانى، فلا يَزُولُ إلّا بدَلِيلٍ، وليس فى المَسْأَلَةِ إجماعٌ ولا نَصٌّ، والقِياسُ إنّما يَكُونُ على أصلٍ، وليس لِمَا ذَكَرُوه أصلٌ، فيَبْقَى الجوازُ بحالِه. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه يَرُدُّ أرْشَ العَيْبِ الحادِثِ عندَه؛ لأنّ المَبِيعَ بجُمْلَتِه مَضْمُونٌ عليه، فكذلك أجزاؤه. وإنْ زالَ العَيْبُ الحادِثُ عندَ المُشْتَرِى، رَدَّه ولا أرْشَ معه، على كِلْتا الرِّوايَتَيْن. وبه قال الشَّافِعِىُّ؛ لأنّه زالَ المانِعُ، مع قِيامِ السَّبَبِ المُقْتَضِى للرَّدِّ، فثَبَتَ حُكْمُه. ولو اشْتَرَى أمَةً، فحَمَلَتْ عندَه، ثم أصَابَ بها عَيْبًا، فالحَمْلُ عَيْبٌ فى الآدَمِيّاتِ دُونَ غَيْرِهِنَّ؛ لأنّه يَمْنَعُ الوَطْءَ ويُخافُ منه التَّلَفُ. فإنْ وَلَدتْ، فالوَلَدُ للمُشْتَرِى. وإنْ نَقَصَتْها الوِلادَةُ، فذلك عَيْبٌ أيضًا. وإنْ لم تَنْقُصْها الوِلادَةُ وماتَ الوَلَدُ، جازَ رَدُّها؛ لأنّه زالَ العَيْبُ، وإنْ كان وَلَدُها باقِيًا، لم يَكُنْ له رَدُّها دونَ وَلَدِها؛ لأنّ (٨) ذلك تَفْرِيقٌ بينَهما، وهو مُحَرَّمٌ. وقال الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ، وأبو الخَطّابِ فى "مسائلِهما": له الفَسْخُ فيها، دُونَ


(٦) تقدم تخريجه فى صفحة ٢١٦.
(٧) العَوَار: مثلثة العين، هو العيب والخَرْق والشّقّ فى الثوب. القاموس المحيط.
(٨) فى الأصل زيادة: "فى".

<<  <  ج: ص:  >  >>