للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَدِها. وهو قولُ أكثرِ أصحابِ الشَّافِعِىِّ. ولأنَّه مَوْضِعُ حاجةٍ، فأشْبَهَ ما لو وَلَدَتْ حُرًّا، فإنَّه يَجوزُ بَيْعُها دونَ وَلَدِها. ولَنا، عُمُومُ (٩) قولِ النَّبىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا، فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (١٠). ولأنَّه أمْكَنَ دَفعُ الضَّرَرِ بأخْذِ الأرْشِ، أو بِرَدِّ وَلَدِها معها، فلم يَجُزِ ارْتِكابُ مَنْهِىِّ الشَّرْعِ بالتَّفْرِيقِ بينَهما، كما لو أرادَ الإقالَةَ فيها دُونَ وَلَدِها. وقولُهم: إنّ الحاجَةَ داعِيَةٌ إليه. قُلْنا: قد انْدَفَعَتِ الحاجَةُ بأخْذِ الأرْشِ، أمَّا إذا وَلَدتْ حُرًّا، فلا سَبِيلَ إلى بَيْعِه معها بحالٍ. ولو كان المَبِيعُ حَيَوانًا غَيْرَ الآدَمِىِّ، فحَدَثَ به حَمْلٌ عندَ المُشْتَرِى، لم يَمْنَعِ الرَّدَّ بالعَيْبِ؛ لأنّه زِيادَةٌ. وإنْ عَلِمَ بالعَيْبِ بعدَ الوَضْعِ، ولم تَنْقُصْه الوِلادَةُ، فله إمساكُ الوَلَدِ ورَدُّ الأُمِّ؛ لأنّ التَّفْرِيقَ بينَهما جائِزٌ. ولا فَرْقَ بين حَمْلِها قبلَ القَبْضِ، أو بعدَه. ولو اشتَراها حامِلًا، فوَلَدَتْ عندَه، ثم اطَّلَعَ على العَيْبِ فرَدَّها، رَدَّ الوَلَدَ معها؛ لأنّه مِن جُمْلَةِ المَبِيعِ، والزِّيادَةُ فيه نَماءٌ مُتَّصِلٌ بالمَبِيعِ، فأشبَهَ ما لو سَمِنَتِ الشّاةُ. فإنْ تَلِفَ الوَلَدُ، فهو كَتَعَيُّبِ (١١) المَبِيعِ عندَه. فإنْ قُلْنا: له الرَّدُّ. فعليه قِيمَتُه، إن اختارَ رَدَّ الأمِّ. وعند أحمدَ؛ أنَّه لا قِيمَةَ عليه لِلْوَلَدِ. وحَمَلَه القاضى على أنّ البائِعَ دَلَّسَ العَيْبَ. وإنْ نَقَصَتِ الأُمُّ بالولادَةِ، فهو عَيْبٌ حادِثٌ، حُكْمُه حُكْمُ العُيُوبِ الحادِثَةِ. ويُمْكِنُ حَمْلُ كلامِ أحمدَ على أنَّ الحَمْلَ لا حُكْمَ له. وهو (١٢) أحَدُ القَوْلَيْنِ للشّافِعِىِّ. فعلَى هذا يَكُوَنُ الوَلَدُ حِينَئِذٍ لِلْمُشْتَرِى، فلا يَلْزَمُه رَدُّه إنْ كان باقِيًا، ولا قِيمَتُه إن (١٣) كان تَالِفًا. والأوَّلُ هو الصَّحِيحُ، وعليه العَمَلُ، إنْ شاء اللهُ تعالى.


(٩) سقط من: الأصل.
(١٠) أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى كراهية الفرق بين الأخوين. . .، من أبواب البيوع، وفى: باب فى كراهية التفريق بين السبى، من أبواب السير. عارضة الأحوذى ٥/ ٢٨٣، ٧/ ٦١. والدارمى، فى: باب النهى عن التفريق بين الوالدة وولدها، من كتاب السير. سنن الدارمى ٢/ ٢٢٨. والإمام أحمد، فى: المسند ٥/ ٤١٣، ٤١٤.
(١١) فى الأصل: "كتعييب". وهما بمعنى.
(١٢) فى م: "وهذا".
(١٣) فى الأصل: "إذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>