للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم. فسَمِعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأخْبَرَتْ عائِشَةُ النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: "خُذِيهَا، وَاشْتَرِطِى الْوَلَاءَ، فَإنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أعْتَقَ". ففَعَلَتْ عائِشَةُ، ثمَّ قامَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فى النَّاسِ، فحَمِدَ اللهَ، وأثْنَى عليه، ثمَّ قال: "أمَّا بَعْدُ، مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فى كِتَابِ اللهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فى كِتَابِ اللهِ فهُوَ بَاطِلٌ، وَإنْ كَانَ مَائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللهِ أحَقُّ، وَشَرْطُ اللهِ أوْثَقُ، وَإنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أعْتَقَ". مُتَّفَقٌ عليه (١٩). فأَبْطَلَ الشَّرْطَ، ولم يُبْطِلِ العَقْدَ. قال ابنُ المُنْذِرِ: خَبَرُ بَرِيرَةَ ثابِتٌ. ولا نَعْلَمُ خَبَرًا يُعارِضُه، فالقَوْلُ به يَجِبُ. فإنْ قِيلَ: المُرادُ بقَوْلِه: "اشْتَرِطِى لَهُمُ الْوَلَاءَ". أى عليهم. بدَلِيلِ أَنَّه أمَرَها به، ولا يَأْمُرُها بفاسِدٍ. قُلْنا: لا يَصِحُّ هذا التَّأْوِيلُ بِوَجْهَيْنِ؛ أحَدُهما، أنّ الوَلاءَ لها بإعتاقِها، فلا حاجَةَ إلى اشْتِراطِه. الثَّانِى، أَنَّهم أبَوا البَيْعَ، إلَّا أنْ يشْتَرِط الوَلاءُ لهم، فكَيْفَ يَأْمُرُها بما يَعْلَمُ أنَّهم لا يَقْبَلُونَه منها؟ وأمّا أمْرُه بذلك فليس هو أمْرًا على الحَقِيقةِ، وإنّما هو صِيغَةُ (٢٠) الأمْرِ بمَعْنَى التَّسْوِيَةِ بين الاشْتِراطِ وتَرْكِه، كَقَوْلِه تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} (٢١). وقولِه: {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا} (٢٢) والتَّقْدِيرُ: واشْتَرِطِى لهم


(١٩) أخرجه البخارى، فى: باب استعانة المكاتب وسؤاله النَّاس، من كتاب المكاتب. وباب ما يجوز من شروط المكاتب. . .، وباب الشروط فى الولاء، من كتاب الشروط. صحيح البخارى ٣/ ١٩٩، ٢٥٠ - ٢٥٢. ومسلم، فى: باب إنما الولاء لمن أعتق، من كتاب العتق. صحيح مسلم ٢/ ١١٤١ - ١١٤٣.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب فى بيع المكاتب إذا فسخت الكتابة، من كتاب العتق. سنن أبي داود ٢/ ٣٤٦، ٣٤٧. والترمذى، فى: باب ما جاء فى الرجل يتصدق أو يعتق عند الموت، من أبواب الوصايا. عارضة الأحوذى ٨/ ٢٨٠، ٢٨١. والنسائي، فى: باب بيع المكاتب، وباب المكاتب يباع قبل أن يقضى من كتابته شيئا، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ٢٦٨، ٢٦٩. والإمام مالك، فى: باب مصير الولاء لمن أعتق، من كتاب العتق. الموطأ ٢/ ٧٨٠، ٧٨١.
(٢٠) فى م: "صفة".
(٢١) سورة التوبة ٨٠.
(٢٢) سورة الطور ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>