للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبى سُفْيانَ، وسائِرِ أهْلِ مَكَّةَ، فمنهم مَن باعَ، ومنهم مَنْ تَرَكَ دارَه، فَهِىَ فى يَدِ أعْقابِهم. وقد باعَ حَكِيمُ بن حِزامٍ دارَ النَّدْوَةِ، فقال له (٢٢) ابنُ الزُّبَيْرِ: بِعْتَ مَكْرمَةَ قُرَيْشٍ. فقال: يا ابنَ أخِى، ذَهَبَتِ المَكارِمُ إلَّا التَّقْوَى. أو كما قال. واشْتَرَى مُعاوِيَةُ منه (٢٣) دارَيْنِ. واشْتَرَى عُمَرُ دارَ السِّجْنِ مِنْ صَفْوانَ بنِ أُمَيَّةَ، بأرْبَعَةِ آلَافٍ. ولم يَزَلْ أهْلُ مَكَّةَ يَتَصَرَّفُونَ فى دُورهِم تَصَرُّفَ المُلَّاكِ، بِالبَيْعِ وغيرِه، ولم يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ، فكان إجْماعًا، وقد قَرَّرَه النَّبِىُّ بِنِسْبَةِ دُورِهِم إليهم، فقال: "مَنْ دَخَلَ (٢٤) دَارَ أبى سُفْيَانَ فهو آمِنٌ، ومَنْ أغْلَقَ عليه بابَه فهو آمِنٌ" (٢٥). وأقَرَّهُمْ فى دُورِهِمْ ورِباعِهِمْ، ولم يَنْقُلْ أحَدًا عن دارِه، ولا وُجِدَ منه ما يَدُلُّ على زَوالِ أمْلاكِهِم، وكذلك مَنْ بعدَه مِن الخُلَفَاءِ، حتى إنَّ عمرَ رَضِىَ اللَّه عنه، مع شِدَّتِه فى الحَقِّ، لمَّا احْتاجَ إلى دارٍ للسِّجْنِ (٢٦)، لم يَأْخُذْها إلَّا بالبَيْعِ. ولأنَّها أرْضٌ حَيَّةٌ لم يَرِدْ عليها صدقةٌ مُحَرّمةٌ؛ فجازَ بَيْعُها كسائِر الأرْضِ، وما رُوِىَ من الأحادِيثِ فى خِلافِ هذا، فهو ضَعِيفٌ. وأمَّا كَوْنُها فُتِحَتْ عَنْوَةً، فهو الصَّحِيحُ، الذى لا يُمكنُ دَفْعُه، إلَّا أنَّ النبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقَرَّ أهْلَهَا فيها على أمْلاكِهِمْ ورِباعِهِمْ، فيَدُلُّ ذلك على أنَّه تَرَكَها لهم، كما تَرَكَ لِهوازِنَ نِساءَهم وأبْناءَهم. وعلى القولِ الأوَّلِ، مَنْ كان ساكنَ دارٍ أو مَنْزِلٍ فهو أحَقُّ به، يَسْكُنُه ويُسْكِنُه، وليس لَه بَيْعُه، ولا أخْذُ أُجْرَتِه، ومَن احْتاجَ إلى مَسْكَنٍ، فَلَه بَذْلُ الأُجْرَةِ فيه، وإن احْتاجَ إلى الشِّراءِ فله ذلك، كما فَعَلَ عمر رَضِىَ اللَّه عنه. وكان أبو عبدِ اللهِ إذا سَكَنَ أعْطَاهم أُجْرَتَها. فإن سَكَنَ بأجْرَةٍ


(٢٢) سقط من م.
(٢٣) سقط من م.
(٢٤) فى الأصل، م: "داخل". والتصويب من مصادر تخريج الحديث.
(٢٥) أخرجه مسلم، فى: باب فتح مكة، من كتاب الجهاد. صحيح مسلم ٣/ ١٤٠٨. وأبو داود، فى: باب ما جاء فى خبر مكة، من كتاب الإمارة. سنن أبى داود ٢/ ١٤٤. والإمام أحمد، فى: المسند ٢/ ٢٩٢، ٥٣٨.
(٢٦) فى م: "السجن".

<<  <  ج: ص:  >  >>