للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحَمَّاد، ومالِك، والثَّوْرِىِّ، وإسْحاق، والشَّعْبِىِّ، فإنَّهُم قَالُوا: يَجِبُ الوُضُوءُ علَى مَنْ قَبَّلَ لِشَهْوةٍ، ولا يَجِبُ علَى مَنْ قَبَّل لِرَحْمةٍ. ومِمَّن أوْجَبَ الوُضُوءَ في القُبْلَةِ ابنُ مَسْعُودٍ، وابنُ عُمَرَ، والزُّهْرِىُّ، وزَيْدُ بنُ أسْلَم، ومَكْحُول، ويَحْيَى الأَنْصَارِىّ، ورَبِيعةُ، والأَوْزَاعِىُّ، وسعِيدُ بن عبد العزيزِ، والشَّافِعِىُّ. قال أحمدُ: المَدَنِيُّونَ والكُوفِيُّونَ مازالُوا يَرَوْنَ أنَّ القُبْلَةَ مِن اللَّمْسِ تَنْقُضُ الوُضوُءَ، حتَّى كان بأخَرَةٍ وصارَ فِيهم أبو حَنِيفة، فقالُوا: لا تَنْقُضُ الوُضُوءَ. ويأخُذُونَ بحَدِيثِ عُرْوةَ، ونَرَى أنه غَلَطٌ. وعَنْ أَحْمَدَ، رِوَاية ثانِية، لا يَنْقُضُ اللَّمْسُ بحالٍ. ورُوِىَ ذلك عَنْ عَلِىٍّ، وابنِ عَبَّاس، وعَطَاء، وطَاوُس، والحَسَنِ، ومَسْرُوقٍ، وبه قال أبو حَنِيفَة، إلَّا أنْ يَطَأَهَا دُونَ الفَرْجِ فيَنْتَشِرَ فِيها، لما رَوَى حَبِيبٌ، عن عُرْوَةَ، عن عائِشَة، أنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَبَّلَ امْرَأةً مِنْ نِسائِه، وخَرَجَ إلى الصَّلاةِ، ولم يَتَوَضَّأْ. رَوَاه أبو دَاوُد، وابنُ مَاجَه، وغَيْرُهُما (١). وهو حَدِيث مَشْهُورٌ، رَوَاه إبْرَاهِيمُ التَّيْمِىُّ (٢) عن عائِشَة أيْضًا (٣)، ولأنَّ الوُجُوبَ مِنَ الشَّرْعِ، ولم يَرِدْ بهذا شَرْعٌ، ولا هو في مَعْنَى ما وَرَدَ الشَّرْعُ به، وقَوْلُه: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (٤). أرادَ به الجِمَاعَ، بدَلِيلِ أنَّ المَسَّ أُرِيدَ به الجِماعُ (٥) فكَذَلِكَ اللَّمْسُ، ولأَنَّهُ ذَكَرَهُ بلَفْظِ المُفَاعَلَةِ، والمُفَاعلةُ لا تكونُ مِنْ أقَلَّ من اثْنَيْن. وعن أحمد، رواية ثالِثَة، أنَّ اللَّمْسَ يَنْقُضُ بكُلِّ حالٍ. وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِىِّ، لعُمُومِ قولِه تَعالَى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}،


(١) أخرجه أبو داود، في: باب الوضوء من القبلة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود ١/ ٤٠. والترمذي، في: باب ترك الوضوء من القبلة، من كتاب الطهارة. عارضة الأحوذى ١/ ١٢٣. وابن ماجه، في: باب الوضوء من القبلة، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه ١/ ١٦٨.
(٢) أبو أسماء إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمى الكوفى، كان من العباد، مات ولم يبلغ أربعين سنة، توفى سنة اثنتين وتسعين. تهذيب التهذيب ١/ ١٧٦، ١٧٧.
(٣) قال الترمذي: وقد روى إبراهيم التيمى، عن عائشة، أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قَبَّلها ولم يتوضأ. وهذا لا يصح أيضًا، ولا نعرف لإبراهيم التيمى سماعا من عائشة. عارضة الأحوذى ١/ ١٢٤، ١٢٥. وانظر ما يأتى من كلام الإِمام أحمد.
(٤) سورة المائدة ٦.
(٥) في م بين معقوفين: "في آيات الطلاق". والمعنىُّ به ما ورد في الآيتين ٢٣٦، ٢٣٧ من سورة البقرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>