للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعضِ الحَقِّ إلَّا لِيُوفِّيَهُ بَقِيَّتَهُ، فكأنه عَاوَضَ (١٣) بعضَ حَقِّه ببعضٍ.

القسم الثالث، الهِبَةُ. وهو أن يكونَ له فى يَدِه عَيْنٌ، فيقولَ: قد وَهَبْتُكَ نِصْفَها، فأَعْطِنِى بَقِيَّتها. فيَصِحُّ، ويُعْتَبَرُ له شُرُوطُ الهِبَةِ. وإن أخْرَجَهُ مَخْرَجَ الشَّرْطِ، لم يَصِحَّ. وهذا مذهبُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّه إذا شَرَطَ فى الهِبَةِ الوَفَاءَ جَعَلَ الهِبَةَ عِوَضًا عن الوَفاءِ به (١٤)، فكأنَّه عَاوَضَ (١٥) بعضَ حَقِّه ببعضٍ. وإن أبْرأَهُ من بعضِ الدَّيْنِ، أو وَهَبَ له بعضَ العَيْنِ بِلَفْظِ الصُّلْحِ، مثلَ أن يقولَ: صَالِحْنِى بِنِصْفِ دَيْنِكَ عَلَىَّ، أو بِنِصْفِ دَارِكَ هذه. فيقولَ: صَالَحْتُكَ بذلك. لم يَصِحَّ. ذَكَرَهُ القاضى وابنُ عَقِيلٍ. وهو قولُ بعضِ أصْحَابِ الشَّافِعِىِّ. وقال أكْثَرُهُم: يجوزُ الصُّلْحُ؛ لأنَّه إذا لم يَجُزْ بِلَفْظِه خَرَجَ عن أن يكونَ صُلْحًا، ولا يَبْقَى له تَعَلُّقٌ به، فلا يُسَمَّى صُلْحًا، أما إذا كان بِلَفْظِ الصُّلْحِ سُمِّىَ صُلْحًا؛ لوُجُودِ اللَّفْظِ، وإن تَخَلَّفَ المَعْنَى، كالهِبَةِ بِشَرْطِ الثَّوَابِ، وإنَّما يَقْتَضِى لَفْظُ الصُّلْحِ المُعَاوَضَةَ إذا كان ثَمَّ عِوَضٍ، أمَّا مع عَدَمِه فلا. وإنَّما مَعْنَى الصُّلْحِ الاتِّفَاقُ والرِّضَى، وقد يَحْصُلُ هذا من غيرِ عِوَضٍ، كالتَّمْلِيكِ إذا كان بِعِوَضٍ سُمِّىَ بَيْعًا، وإن خَلَا عن العِوَضِ سُمِّىَ هِبَةً. ولَنا، أنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ يَقْتَضِى المُعَاوَضَةَ؛ لأنَّه إذا قال: صَالِحْنِى بِهِبَةِ كذا، أو على [هِبَةِ كذا، أو على] (١٦) نِصْفِ هذه العَيْنِ، ونحو هذا. فقد أضَافَ إليه بالمُقَابَلَةِ، فصَارَ كقَوْلِه: بِعْنِى بأَلْفٍ. وإن أضَافَ إليه "عَلَى" جَرَى مَجْرَى الشَّرْطِ. كقوله تعالى: {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} (١٧). وكِلَاهُما لا يجوزُ؛ بِدَلِيلِ ما لو صَرَّحَ بِلَفْظِ


= استحباب الوضع من الدين، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم ٣/ ١١٩٢. وأبو داود، فى: باب فى الصلح، من كتاب الأقضية. سنن أبي داود ٢/ ٢٧٣. والنسائى، فى: باب حكم الحاكم فى داره، من كتاب القضاة. المجتبى ٨/ ٢١٠. وابن ماجه، فى: باب الحبس فى الدين والملازمة، من كتاب الصدقات. سنن ابن ماجه ٢/ ٨١١. والدارمى، فى: باب فى إنظار المعسر، من كتاب البيوع. سنن الدارمى ٢/ ٢٦١. والإمام أحمد، فى: المسند ٦/ ٣٩٠.
(١٣) فى الأصل، أ، م: "عارض" تحريف.
(١٤) سقط من: أ، ب.
(١٥) فى الأصل، م: "عارض".
(١٦) سقط من: م.
(١٧) سورة الكهف ٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>