للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: ما أَذِنْتُ لك (٢٢) إلَّا في شِرَاءِ غيرِها. أو قال: اشْتَرَيْتُها لك بأَلْفَيْنِ. فقال: ما أَذِنْتُ لك في شِرَائِها إلَّا بأَلْفٍ. فالقولُ قولُ المُوَكِّلِ، وعليه اليَمِينُ. فإذا حَلَفَ بَرِئَ من الشِّرَاءِ، ثم لا يَخْلُو إمَّا أن يكونَ الشِّرَاءُ بِعَيْنِ المالِ، أو في الذِّمَّةِ، فإن كان بعَيْنِ المالِ، فالبَيْعُ باطِلٌ، وتُرَدُّ الجارِيَةُ على البائِعِ إن اعْتَرَفَ بذلك، وإن كَذَّبَهُ في أنَّ الشِّرَاءَ لغيرِه أو بمالِ غيرِه بغيرِ إذْنِه، فالقولُ قولُ البائِعِ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ أنَّ ما في يَدِ الإِنْسانِ له. فإن ادَّعَى الوَكِيلُ عِلْمَهُ بذلك، حَلَّفَهُ (٢٣) أنَّه لا يَعْلَمُ أنَّه اشْتَراهُ بمالِ مُوَكِّلِه؛ لأنَّه يَحْلِفُ على نَفْىِ فِعْلِ غيرِه، فكانت يَمِينُه على نَفْىِ العِلْمِ، فإذا حَلَفَ، أمْضَى البَيْعَ، وعلى الوَكِيلِ غَرَامَةُ الثَّمَنِ لِمُوَكِّلِه، ودَفْعُ الثمَنِ إلى البائِعِ، وتَبْقَى الجارِيَةُ في يَدِه، ولا تَحِلُّ له؛ لأنَّه لا يَخْلُو من أن يكونَ صَادِقًا، فتكون لِلْمُوَكِّلِ، أو كاذِبًا فتكونُ لِلْبائِعِ، فإذا أرَادَ اسْتِحْلَالَها، اشْتَراهَا مِمَّنْ هي له في الباطِنِ، فإن امْتَنَعَ من بَيْعِه إيَّاها، رَفَعَ الأَمْرَ إلى الحاكِمِ، ليَرْفُقَ به لِيَبيعَه إيَّاهَا، ليَثْبُتَ المِلْكُ له ظَاهِرًا وباطِنًا، ويَصِيرَ ما ثَبَتَ له في ذِمَّتِه ثَمَنًا قِصَاصًا بالذى أَخَذَ منه الآخَرُ ظُلْمًا، فإن امْتَنَعَ الآخَرُ من البَيْعِ، لم يُجْبَرْ عليه؛ لأنَّه عَقْدُ مُرَاضَاةٍ. وإن قال: إن كانت الجارِيَةُ لي فقد بِعْتُكَها. أو قال المُوَكِّلُ: إن كنتُ أذِنْتُ لك في شِرَائِها بأَلْفَيْنِ، فقد بِعْتُكَها. ففيه وَجْهانِ؛ أحدُهما، لا يَصِحُّ. وهو قولُ القاضي وبعضِ الشّافِعِيَّةِ؛ لأنَّه بَيْعٌ مُعَلَّقٌ على شَرْطٍ. والثانى، يَصِحُّ؛ لأنَّ هذا أَمْرٌ واقِعٌ يَعْلَمانِ وُجُودَهُ، فلا يَضُرُّ جَعْلُه شَرْطًا، كما لو قال: إن كانت هذه الجارِيَةُ جَارِيَتِى، فقد بِعْتُكَها. وكذلك كل شَرْطٍ عَلِمَا وُجُودَه، فإنَّه لا يُوجِبُ وُقُوفَ (٢٤) البَيْعِ ولا شَكًّا فيه. فأمَّا إن كان الوَكِيلُ اشْتَرَى في الذِّمَّةِ، ثم نَقَدَ الثَّمَنَ، صَحَّ الشِّرَاءُ، ولَزِمَ الوَكِيلَ في الظّاهِرِ، فأمَّا في الباطِنِ، فإن كان الوَكِيلُ كاذِبًا في دَعْوَاهُ، فالجارِيَةُ له؛ لأنَّه اشْتَرَاهَا في ذِمَّتِه بغيرِ أمْرِ غيرِه، وإن كان صَادِقًا، فالجارِيَةُ لِمُوَكِّلِه. فإذا أرَادَ إحْلَالَها له، تَوَصَّلَ إلى شِرَائِها منه، كما ذَكَرْنا. وكلُّ مَوْضِعٍ كانت لِلْمُوَكِّلِ في الباطِنِ


(٢٢) سقط من: ب.
(٢٣) في الأصل: "حلف".
(٢٤) في أ، ب، م: "وقوع".

<<  <  ج: ص:  >  >>