للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اخْتَلَفُوا في فُرُوعٍ مِنْه. إذا ثَبَتَ هذا، فمَن غَصَبَ شيئا لَزِمَهُ رَدُّه، ما كان بَاقِيًا، بغيرِ خِلَافٍ نَعْلَمُه. لقولِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عَلَى الْيَدِ مَا أخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ" (٧). ولأنَّ حَقَّ المَغْصُوبِ منه مُتَعَلِّقٌ (٨) بعَيْنِ مالِه ومَاليَّتِه، ولا يَتَحَقَّقُ ذلك إلَّا بَردِّه. فإن تَلِفَ في يَدِه، لَزِمَهُ بَدَلُه؛ لقولِ اللهِ تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (٩). ولأنَّه لما تَعَذَّرَ رَدُّ العَيْنِ، وَجَبَ رَدُّ ما يَقُومُ مَقَامَها في المالِيَّةِ. ثم يُنْظَرُ؛ فإن كان ممَّا تَتَمَاثَلُ أجْزَاؤُه، وتَتَفَاوَتُ صِفَاتُه، كالحُبُوبِ والأَدْهَانِ، وَجَبَ مِثْلُه، لأنَّ المِثْلَ أقْرَبُ إليه من القِيمَةِ، وهو [مُمَاثِلٌ له من طَرِيقِ الصُّورَةِ والمُشَاهَدَةِ والمَعْنَى، والقِيمَةُ] (١٠) مُمَاثِلَةٌ من طَرِيقِ الظَّنِّ والاجْتِهَادِ، فكان ما طَرِيقُه المُشَاهَدةُ مُقَدَّمًا، كما يُقَدَّمُ النَّصُّ على القِيَاسِ، لكَوْنِ النَّصِّ طَرِيقهُ الإِدْرَاكُ بالسَّمَاعِ، والقِيَاسُ طَرِيقُه الظَّنُّ والاجْتِهَادُ. وإن كان غيرَ مُتَقَارِبِ الصِّفَاتِ، وهو ما عدا المَكِيلَ والمَوْزُونَ، وَجَبَتْ قِيمَتُه، في قول الجَمَاعَةِ. وحُكِىَ عن العَنْبَرِىِّ: يَجبُ في كلِّ شيءٍ مِثْلُه؛ لما رَوَتْ جَسْرَةُ بنتُ دَجاجَة، عن عائِشَةَ رَضِىَ اللهُ عنها، أنَّها قالتْ: ما رَأَيْتُ صَانِعًا مثلَ حَفْصَة، صَنَعَتْ طَعَامًا، فبَعَثَتْ به إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخَذَنِى الأَفْكَلُ (١١) فَكَسَرْتُ الإِنَاءَ، فقلتُ: يا رسولَ اللَّه، ما كَفَّارَةُ ما صَنَعْتُ؟ فقال: "إِنَاءٌ مِثْلُ الْإِنَاءِ، وطَعَامٌ مِثْلُ الطَّعَامِ". رَوَاهُ أبو دَاوُدَ (١٢). وعن أَنَسٍ، أنَّ إحْدَى نِسَاءِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَسَرَتْ قَصْعَةَ الأُخْرَى، فدَفَعَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-قَصْعَةَ الكاسِرَةِ إلى رسولِ صاحِبَةِ المَكْسُورَةِ، وحَبَسَ المَكْسُورَةَ في بَيْتِه. رَوَاهُ أبو دَاوُدَ مُطَوَّلًا، ورَوَاهُ


(٧) تقدم تخريجه في صفحة ٣٤٢.
(٨) في ب، م: "معلق".
(٩) سورة البقرة ١٩٤.
(١٠) سقط من: الأصل.
(١١) الأفكل: الرعدة من بردٍ أو خوف، والمراد هنا من الغيرة.
(١٢) في: باب في من أفسد شيئا يغرم مثله، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٦٧.
كما أخرجه النسائي، في: باب الغيرة، من كتاب عشرة النساء. المجتبى ٧/ ٦٦. والإِمام أحمد، في: المسند ٦/ ١٤٨، ٢٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>