للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثبت هذا، فمتى رَضِىَ المالِكُ بتَرْكِ الزَّرْعِ للغاصِبِ. ويأخُذُ منه أجْرَ الأرضِ. فله ذلك؛ لأنَّه شغَل المغْصُوبَ بمالِه، فمَلَكَ صاحِبُه أخْذَ أَجْرِه، كما لو تَرَكَ في الدَّارِ طَعامًا أو أحْجارًا يَحْتاجُ في نَقْلِه إلى مُدَّةٍ. وإن أحَبَّ أخْذَ الزَّرْعِ، فله ذلك، كما يَسْتَحِقُّ الشَّفِيعُ أخْذَ شَجَرِ المُشْتَرِى بقِيمَتِه. وفيما يُرَدُّ على الغاصِبِ روايتان؛ إحْداهما، قِيمةُ (٦) الزَّرْعِ؛ لأنَّه بَدَلٌ عن الزَّرْعِ. فيُقَدَّرُ بقِيمَتِه، كما لو أتْلَفَه. ولأنَّ الزَّرْعَ للغاصِبِ إلى حينِ انْتِزَاعِ المالِكِ له منه، بدليلِ أنَّه لو أخَذَه قبلَ انْتِزَاعِ المالِكِ له، كان مِلْكًا له. ولو لم يَكُنْ مِلْكًا له لَما مَلَكَهُ بأخْذِه. فيكونُ أخْذُ المالِكِ له تَمَلُّكًا له، إلَّا أنْ يُعَوِّضَه، فيجِبُ أن يكونَ بقِيمَتِه، كما لو أخَذَ الشِّقْصَ (٧) المشْفُوعَ. ويَجِبُ على الغاصِبِ أجْرُ الأرضِ إلى حينِ تَسْلِيمِ الزَّرْعِ؛ لأنَّ الزَّرْعَ كان مَحكْومًا له به، وقد شغَل به أرْضَ غيرِه. والرِّواية الثانية، أنَّه يَرُدُّ على الغاصِبِ ما أنْفَقَ مِن البَذْرِ (٨)، ومُؤْونةِ الزَّرْعِ في الحَرْثِ والسَّقْىِ، وغيرِه. وهذا الذي ذَكَرَهُ القاضي. وهو (٩) ظَاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، وظَاهِرُ الحَدِيثِ، لقولِه عليه السَّلَامُ: "عَلَيْهِ نَفَقَتُه". وقِيمَةُ الشىءِ لا تُسَمَّى نَفَقَةً له. والحَدِيثُ مَبْنِيٌّ على هذه المَسْأَلَةِ؛ فإنَّ أحْمدَ إنَّما ذَهَبَ إلى هذا الحُكْمِ (٧) اسْتِحْسَانًا، على خِلَافِ القِيَاسِ، فإنَّ القِيَاسَ أنَّ الزَّرْعَ لِصَاحِبِ البَذْرِ (٨)؛ لأنَّه نَمَاءُ عَيْنِ مالِه، فأشْبَه ما لو غَصَبَ دَجَاجَةً فحَضَنَتْ بَيْضًا له. أو طَعَامًا فعَلَفَهُ دَوَابَّ له، كان النَّماءُ له. وقد صَرَّحَ به أحمدُ، فقال: هذا شيءٌ لا يُوَافِقُ القِيَاسَ، أسْتَحْسِنُ أن يَدْفَعَ إليه نَفَقَتَه؛ للأَثَرِ. ولذلك جَعَلْنَاهُ لِلْغاصِبِ إذا اسْتُحِقَّتِ الأَرْضُ بعدَ أَخْذِ الغاصِبِ له، وإذا كان العَمَلُ بالحَدِيثِ، فيَجِبُ أن يُتَّبَعَ مَدْلُولُه.


(٦) في م: "فيه".
(٧) سقط من: الأصل.
(٨) في ب، م: "البذرة".
(٩) في الأصل، م: "وهذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>