للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقْصِدُ به إباحَةَ إخْرَاجِ كلِّ واحدٍ من المُتَسَابِقينِ جَعْلًا، مع عَدَمِ مَعْنَى المُحَلَّلِ فيه، وهو كونُه بحالٍ يَحْتَمِلُ أن يَأْخُذَ سَبْقَيْهِمَا، وهذا يَدُلُّ على إبْطالِ كل حِيلَةٍ لم يُقْصَدْ بها إلَّا إباحَةُ المُحَرَّمِ. مع عَدَمِ المَعْنَى فيها. واسْتَدَلَّ أصْحابُنا بما رَوَى أبو هُرَيْرةَ، رَضِىَ اللَّه عنه، عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "لا تَرْكَبُوا ما ارْتَكَبَتِ اليَهُودُ، فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ" (٤٠). وقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ، إنَّ اللهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِم شُحُومَها (٤١) جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، وَأَكَلُوا ثَمَنَهُ". مُتَّفَقٌ عليه (٤٢). ولأنَّ اللهَ تعالى ذَمَّ المُخادِعِينَ له بقولِه تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (٤٣). والحِيَلُ مُخَادَعَةٌ، وقد مَسَخَ اللهُ تعالى الذينَ اعْتَدَوْا في السَّبْتِ قِرَدَةً بِحِيلَتِهِم، فإنَّه رُوِى أَنَّهم كانوا يَنْصِبُونَ شِبَاكَهُم يوم الجُمُعةِ، ومنهم من يَحْفِرُ جِبَابًا، ويُرْسِلُ الماءَ إليها يومَ الجُمُعةِ، فإذا جاءتِ (٤٤) الحِيتانُ يوم السَّبْتِ، وَقَعَتْ في الشِّبَاكِ والجِبَابِ، فيَدَعُونَها إلى لَيْلةِ الأَحَدِ، فيَأْخُذُونَها، ويقولون: ما اصْطَدْنَا يوم السَّبْتِ شَيْئًا، فمَسَخَهُم اللَّه تعالى بحِيَلِهم (٤٥). وقال تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا


(٤٠) ذكره الحافظ ابن كثير في تفسير سورة الأعراف آية ١٦٣. تفسير ابن كثير ٣/ ٤٩٢. وانظر إرواء الغليل ٥/ ٣٧٥.
(٤١) في الأصل: "الشحوم".
(٤٢) تقدم تخريجه في: ٦/ ٣٢١. ويضاف إليه: وأخرجه البخاري، في: باب لا يذاب شحم الميتة ولا يباع ودكه، من كتاب البيوع، وفى: باب قوله {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا. . .} , من تفسير سورة الأنعام، من كتاب التفسير. صحيح البخاري ٣/ ١٠٧، ٦/ ٧٢. والنسائي، في: باب النهى عن الانتفاع بشحوم الميتة، وباب النهى عن الانتفاع بما حرم اللَّه عز وجل، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ١٥٦، ١٥٧، ٢٧٣. وابن ماجه، في: باب التجارة في الخمر، من كتاب الأشربة. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٣٢، ١١٢٢. والدارمى، في: باب النهى عن الخمر وشرائها، من كتاب الأشربة. سنن الدارمي ٢/ ١١٥. والإِمام أحمد، في: المسند ١/ ٢٥، ٢٤٧، ٢٩٣، ٣٢٢، ٢/ ١١٧، ٣٦٢، ٣/ ٣٧٠، ٤/ ٢٢٧.
(٤٣) سورة البقرة ٩.
(٤٤) في الأصل: "كان".
(٤٥) في ب، م: "بحيلتهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>