للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} (٤٦). قيل: يَعْنِى به أُمَّةَ محمدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-. أي لِتَتَّعِظَ بذلك أُمَّةُ محمدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيَجْتَنِبُوا مثلَ ما فَعَلَ المُعْتَدُونَ. ولأنَّ الحِيلَةَ خَدِيعَةٌ، وقد قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَحِلُّ الخَدِيعَةُ لِمُسْلِمٍ" (٤٧). ولأنَّ الشُّفْعةَ وُضِعَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، فلو سَقَطَتْ بالتَّحَيُّلِ، لَلَحِقَ الضَّرَرُ، فلم تَسْقُطْ، كما لو أسْقَطَها المُشْتَرِى (٤٨) بالبَيْعِ والوَقْفِ. وفارَقَ ما لم يُقْصَدْ به التَّحَيُّلُ، لأنَّه لا خِدَاعَ فيه، ولا قُصِدَ به إبْطَالُ حَقٍّ، والأَعْمالُ بالنِّيَّاتِ. فإنْ اخْتَلَفَا هل وَقَعَ شيءٌ من هذا حِيلَةً، أو لا؟ فالقولُ قولُ المُشْتَرِى مع يَمِينِه؛ لأنَّه أعْلَمُ بِنِيَّتِه وحالهِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ الغَرَرَ في الصُّورَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ على المُشْتَرِى؛ لِشِرَائِه ما يُسَاوِى عَشرَةً بمائةٍ، وما يُسَاوِى مائةَ دِرْهَمٍ بمائةِ دِينَارٍ، وأشْهَدَ على نَفْسِه أنَّ عليه ألْفًا، فربَّما طَالَبَه بذلك، فلَزِمَه (٤٩)، في ظاهِرِ الحُكْمِ. وفى الثالثةِ الغَرَرُ (٥٠) على البائعِ؛ لأنَّه اشْتَرَى عَبْدًا يُسَاوِى مائةً بأَلْفٍ. وفى الرابعةِ على المُشْتَرِى؛ لأنَّه اشْتَرَى شِقْصًا قِيمَتُه مائةٌ بأَلْفٍ. وكذلك في الخامسةِ؛ لأنَّه اشْتَرَى بعضَ الشِّقْصِ بثَمَنِ جَمِيعِه. وفى السادسةِ على البادِئ منهما بالهِبَةِ؛ لأنَّه قد لا يَهَبُ له الآخَرُ شَيْئًا، فإن خَالَفَ أحَدُهُما ما (٥١) تَوَاطَآ عليه، فطَالَبَ صَاحِبَه بما أظْهَرَاه (٥٢)، لَزِمَه، في ظاهِرِ الحُكْمِ؛ لأنَّه عَقَدَ البَيْعَ مع صاحِبِه بذلك مُخْتارًا، فأمَّا فيما بينه وبين اللهِ تعالى، فلا يَحِلُّ لمن غَرَّ صَاحِبَه الأخْذُ بخِلَافِ ما تَوَاطَآ عليه؛ لأنَّ صَاحِبَه إنَّما رَضِىَ بالعَقْدِ لِلتَّوَاطُؤِ، فمع فَوَاتِه لا يَتَحَقَّقُ الرِّضَى به.


(٤٦) سورة البقرة ٦٦.
(٤٧) انظر ما تقدم في: ٦/ ٢١٦.
(٤٨) في ب زيادة: "عنه".
(٤٩) في م: "فلزمته".
(٥٠) في الأصل، ب: "الضرر".
(٥١) في م زيادة: "لو".
(٥٢) في الأصل: "أظهر له".

<<  <  ج: ص:  >  >>