للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدُهما، أن يكون نَهْرًا عَظِيمًا، كالنِّيلِ والفُرَاتِ ودِجْلَة، وما أشْبَهَها من الأنْهارِ العَظِيمةِ، التي لا يَسْتَضِرُّ أحدٌ بِسَقْيِه منها، فهذا لا تَزَاحُمَ فيه، ولكل أحدٍ أن يَسْقِىَ منها ما شاءَ، متى شاءَ، وكيف شاءَ. القسم الثاني، أن يكون نَهْرًا صَغِيرا يَزْدَحِمُ الناسُ فيه (٦٢)، ويَتَشَاحُّونَ في مائِه، أو سَيْلًا (٦٣) يَتَشَاحُّ فيه أهْلُ الأرْضِ (٦٤) الشارِبَةِ منه، فإنَّه يُبْدَأُ بمَنْ في أَوَّلِ النَّهْرِ، فيَسْقِى ويَحْبِسُ الماءَ حتى يَبْلُغَ إلى الكَعْبِ، ثم يُرْسِلُ إلى الذي يَلِيه فيَصْنَعُ كذلك، وعلى هذا إلى أن تَنْتَهِىَ الأرَاضِى كلُّها. فإن لم يَفْضُلْ عن الأوّلِ شيءٌ، أو عن الثاني، أو عَمَّنْ يَلِيهم فلا شىءَ (٦٥) لِلْباقِينَ؛ لأنَّهم (٦٦) ليس لهم إلَّا ما فَضَلَ، فهم كالعَصَبَةِ في المِيرَاثِ. وهذا قولُ فُقَهاءِ المَدِينةِ، ومالِكٍ، والشافِعِىِّ، ولا تعْلَمُ فيه مُخَالِفًا. والأصْلُ في هذا ما رَوَى عبدُ اللَّه بن الزُّبَيْرِ، أنَّ رَجُلًا من الأنْصارِ خاصَمَ الزُّبَيْرَ في شِرَاجِ الحَرَّةِ، التي يَسْقُونَ بها، إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اسْقِ يا زُبَيْرُ، ثُمَّ أرْسِلِ الْماءَ إلَى جارِكَ". فغَضِبَ الأَنْصَارِىُّ، وقال: يا رسولَ اللَّه، آنْ كان ابنَ عَمَّتِكَ؟ فتَلَوَّن وَجْهُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم قال: "يا زُبَيْر اسْقِ، ثُمَّ احْبِسِ الْماءَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الجَدْرِ". قال الزُّبَيْرُ: فوالله إنِّي لأَحْسَبُ هذه الآيةَ نَزَلَتْ فيه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (٦٧). مُتَّفَقٌ عليه (٦٨). ورَوَاهُ مالِكٌ، في


(٦٢) سقط من: الأصل.
(٦٣) في النسخ: "سيل".
(٦٤) في الأصل: "الأرضين".
(٦٥) في الأصل: "حق".
(٦٦) في ب، م: "لأنه".
(٦٧) سورة النساء ٦٥.
(٦٨) أخرجه البخاري، في: باب سكر الأنهار، وباب شرب الأعلى قبل الأسفل، وباب شرب الأعلى إلى الكعبين، من كتاب المساقاة، وفى: باب إذا أشار الإِمام بالصلح. . ., من كتاب الصلح، وفى: باب {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ. . .}، من كتاب التفسير. صحيح البخاري ٣/ ١٤٥، ١٤٦، ٢٤٥، ٦/ ٥٧، ٥٨. ومسلم، في: باب وجوب اتباعه -صلى اللَّه عليه وسلم-، من كتاب الفضائل. صحيح مسلم ٤/ ١٨٢٩، ١٨٣٠. =

<<  <  ج: ص:  >  >>