للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْقِرَاضُهُم. وإن كان غيرَ مَعْلُومِ الانْتِهَاءِ، مثل أن يقِفَ على قَوْمٍ يجوزُ انْقِرَاضُهُم بِحُكْمِ العادَةِ، ولم يَجْعَلْ آخِرَه لِلْمَسَاكِينِ، ولا لِجِهَةٍ غيرِ مُنْقَطِعَةٍ، فإنَّ الوَقْفَ يَصِحُّ. وبه قال مالِكٌ، وأبو يوسفَ، والشافِعِىُّ في أحَدِ قَوْلَيْه. وقال محمدُ بن الحَسَنِ: لا يَصِحُّ. وهو القولُ الثاني للشافِعِىِّ؛ لأنَّ الوَقْفَ مُقْتَضاهُ التَّأْبِيدُ، فإذا كان مُنْقَطِعًا صارَ وَقْفًا على مَجْهُولٍ، فلم يَصِحَّ، كما لو وَقَفَ على مَجْهُولٍ في الابْتِدَاءِ. ولَنا، أنَّه تَصَرُّفٌ مَعْلُومُ المَصْرِفِ، فصَحَّ، كما لو صَرَّحَ بمَصْرِفِه المُتَّصِلِ، ولأنَّ الإِطْلَاقَ إذا كان له عُرْفٌ، حُمِلَ عليه، كنَقْدِ البَلَدِ وعُرْفِ المَصْرِفِ، وههُنا هم أَوْلَى الجِهَاتِ به، فكأنَّه عَيَّنَهُم. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه يَنْصَرِفُ عندَ انْقِرَاضِ المَوْقوفِ عليهم إلى أقَارِبِ الواقِفِ (٢). وبه قال الشافِعِىُّ. وعن أحمدَ رِوَايةٌ أخرى، أنَّه يَنْصَرِفُ إلى المَسَاكِينِ. واخْتارَه القاضِى، والشَّرِيفُ أبو جعفرٍ؛ لأنَّهم (٣) مَصْرِفُ الصَّدَقاتِ وحُقُوقِ اللَّه تَعَالَى من الكَفّارَاتِ ونحوها، فإذا وُجِدَتْ صَدَقَةٌ غيرَ مُعَيَّنةِ المَصْرِفِ، انْصَرَفَتْ إليهم، كما لو نَذَرَ صَدَقةً مُطْلَقةً. وعن أَحمدَ رِوَايةٌ ثالثةٌ، أنَّه يُجْعَلُ في بَيْتِ مالِ المُسلِمينَ؛ لأنَّه مالٌ لا مُسْتَحِقَّ له، فأشْبَهَ مالَ من لا وارِثَ له. وقال أبو يوسفَ: يَرْجِعُ إلى الواقِفِ وإلى وَرَثَتِه (٤)، إلَّا أن يقولَ: صَدَقةٌ مَوْقُوفةٌ، يُنْفَقُ منها على فُلَانٍ وعلى فُلَانٍ. فإذا انْقَرَضَ المُسَمَّى كانت لِلْفُقَراءِ والمَسَاكِينِ. لأنَّه جَعَلَها صَدَقةً على مُسَمَّى، فلا تكونُ على غيرِه، ويُفَارِقُ ما إذا قال: يُنْفَقُ منها على فُلَانٍ وفُلَانٍ. فإنَّه جَعَلَ الصَّدَقةَ مُطْلَقةً. ولَنا، أنَّه أزَالَ مِلْكَه للهِ تعالى، فلم يَجُزْ أن يَرْجِعَ إليه، كما لو أعْتَقَ عَبْدًا، والدَّلِيلُ على صَرْفِه إلى أقَارِبِ الواقِفِ، أنَّهم أوْلَى الناسِ بِصَدَقَتِه، بِدَلِيلِ قولِ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صَدَقَتُكَ عَلَى غَيْرِ رَحِمِكَ صَدَقَةٌ، وصَدَقَتُكَ عَلَى رَحِمِكَ صَدَقَةٌ وصِلَةٌ" (٥). وقال: "إنَّكَ أنْ تَدَعْ وَرَثَتَكَ أغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أنْ


(٢) في م: "الوقف".
(٣) في م: "لأنه".
(٤) في الأصل: "وارثه".
(٥) تقدم تخريجه في: ٤/ ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>