للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَدَعَهُمْ عالةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ" (٦). ولأن فيه (٧) إغْنَاءَهُم وصِلَةَ أرْحَامِهِم، لأنَّهم أَوْلَى الناسِ بِصَدَقاتِه النَّوَافِلِ والمَفْرُوضاتِ، كذلك صَدَقَتُه المَنْقُولَةُ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه في ظاهِرِ كلامِ الخِرَقِىِّ، وظاهِرِ كلامِ أحمدَ، يكونُ لِلفُقَراءِ منهم والأغْنِياءِ؛ لأنَّ الوَقْفَ [لا يَخْتَصُّ الفُقَرَاءَ] (٨)، ولو وَقَفَ على أوْلادِه، تَنَاوَلَ الفُقَرَاءَ والأغْنِياءَ، كذا ههُنا. وفيه وَجْهٌ آخَر، أنَّه يَخْتَصُّ الفُقَرَاءَ منهم، لأنَّهم أهْلُ الصَّدَقاتِ دُونَ الأغْنِياءِ، ولأنَّا خَصَصْنَاهُم بالوَقْفِ (٩) لكَوْنِهم أَوْلَى الناسِ بالصَّدَقَةِ، وأَوْلَى الناسِ بالصَّدَقَةِ الفُقَرَاءُ دون الأغْنِياءِ. واخْتَلَفَتِ الرِّوَايةُ في مَن يَسْتَحِقُّ الوَقْفَ من أقْرِبَاءِ الواقِفِ، ففى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، يَرْجِعُ إلى الوَرَثةِ منهم؛ لأنَّهم الذين صَرَفَ اللهُ تعالى إليهم مَالَه بعد مَوْتِه واسْتِغْنائِه عنه، فكذلك يُصْرَفُ إليهم من صَدَقَتِه ما لم يَذْكُرْ له مَصْرِفًا، ولأنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنَّكَ أنْ تَتْرُكَ وَرَثَتَكَ أغْنِياءَ، خَيْرٌ مِنْ أنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ الناسَ". فعلى هذا يكونُ بينهم على حَسَبِ مِيرَاثِهِم، ويكونُ وَقْفًا عليهم. نَصَّ عليه أحمدُ، وذَكَرَه القاضي، لأنَّ الوَقْفَ يَقْتَضِى التَّأْبِيدَ، وإنَّما صَرَفْناه إلى هؤلاءِ لأنَّهم أحَقُّ الناسِ بِصَدَقَتِه، فصُرِفَ إليهم مع بَقَائِه صَدَقةً. ويَحْتَمِلُ كَلَامُ الخِرَقِىِّ أن يُصْرَفَ إليهم على سَبِيلِ الإِرْثِ، ويَبْطُلَ الوَقْفُ فيه. فعلى هذا يكونُ كقولِ أبى يُوسُفَ. والرواية الثانية، يكونُ وَقْفًا على أقْرَبِ عَصَبَةِ الوَاقِفِ، دون بَقِيَّةِ الوَرَثَةِ من أصْحابِ الفُرُوضِ، ودون البَعِيدِ من العَصَباتِ (١٠)، فيُقَدَّمُ الأقْرَبُ فالأقْرَبِ، على حَسَبِ اسْتِحْقاقِهِم لِوَلَاءِ الموَالِى، لأنَّهم خُصُّوا بالعَقْلِ عنه، وبمِيرَاثِ مَوَالِيه، فَخُصُّوا بهذا أيضًا. وهذا لا يَقْوَى عِنْدِى، فإنَّ اسْتِحْقاقَهم لهذا دون غيرِهم من النّاسِ لا يكونُ


(٦) تقدم تخريجه في: ٦/ ٣٧. من حديث سعد ابن أبي وقاص "والثلث كثير".
(٧) سقط من: الأصل.
(٨) في الأصل: "لا يحصل للفقراء".
(٩) في ب، م: "بالوقوف".
(١٠) في م: "العصابات".

<<  <  ج: ص:  >  >>