للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن أبي موسى: هل حُكْمُ العُرُوضِ في التَّعْرِيفِ، وجَوَازِ التَّصَرُّفِ فيها بعدَ ذلك، حُكْمُ الأثْمانِ؟ على رِوَايَتَيْنِ، أظْهَرُهُما أنَّها كالأَثْمانِ، ولا أعْلَمُ بين أكْثرَ أهْلِ العِلْمِ فَرْقًا بين الأثْمانِ والعُرُوضِ في ذلك. وقال أكْثَرُ أصْحابِنَا: لا تُمْلَكُ العُرُوضُ بالتَّعْرِيفِ. قال القاضي: نَصَّ أحمدُ على هذا، في رِوَايةِ الجَماعةِ. واخْتَلَفُوا فيما يَصْنَعُ بها، فقال أبو بكرٍ، وابنُ عَقِيلٍ: يُعَرِّفُها أبَدًا. وقال القاضي: هو بالخِيَارِ بين أن يُقِيمَ على تَعْرِيفِها حتى يَجِىءَ صاحِبُها، وبين دَفْعِها إلى الحاكِمِ ليَرَى رَأْيَه فيها. وهل له بَيْعُها بعدَ الحَوْلِ، ويَتَصَدَّقُ بها؟ على رِوَايَتَيْنِ، وقال الخَلَّالُ: كلُّ مَنْ رَوَى عن أحمدَ، أنَّه يُعَرِّفُه سَنَةً، ويَتَصَدَّقُ به، والذي نَقَلَ أنَّه يُعَرِّفُ أبَدًا قولٌ قَدِيمٌ، رَجَعَ عنه. واحْتَجُّوا بما رُوِى عن ابنِ عمرَ، وابنِ عَبَّاسٍ، وابنِ مسعودٍ، مثلَ قَوْلِهم، ولأنَّها لُقَطَةٌ لا تُمْلَكُ في الحَرَمِ، فلا تُمْلَكُ في غيره كالإِبِلِ، ولأنَّ الخَبَرَ وَرَدَ في الأثْمانِ، وغيرُها لا يُسَاوِيها؛ لِعَدَمِ الغَرَضِ المُتَعَلِّقِ بِعَيْنِها، فمِثْلُها يَقُومُ مَقَامَها من كلِّ وَجْهٍ، بخِلَافِ غيرِها. ولَنا، عُمُومُ الأحَادِيثِ في اللُّقَطَةِ جَمِيعِها؛ فإنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سُئِلَ عن اللُّقَطَةِ، فقال: "عَرِّفْهَا سَنَةً" ثم قال في آخِرِه: "فَانْتَفِعْ بِهَا، أو فَشَأْنكَ بِهَا". وفي حَدِيثِ عِياضِ بن حِمَارٍ: "مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً". وهو لَفْظٌ عامٌّ. ورَوَى الجُوزَجَانِىُّ، والأَثْرَمُ في "كِتَابَيْهِما"، قالا: حَدَّثَنا أبو نُعَيْمٍ، ثنا هِشَامُ بن سَعْدٍ، قال حَدَّثَنِى عَمْرُو بن شُعَيْبٍ، عن أبِيه، عن جَدِّه، قال: أتَى رَجُلٌ رسولَ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسولَ اللهِ، كيف تَرَى في مَتَاعٍ يُوجَدُ في الطَّرِيقِ المَيْثاءِ (١٨)، أو في قَرْيَةٍ مَسْكُونةٍ؟ فقال: "عَرَّفْهُ سَنَةً، فَإنْ جَاءَ صاحِبُهُ، وإلَّا فَشَأْنَكَ بِهِ" (١٩). ورَوَيَا أنَّ سُفْيانَ بنِ عبدِ اللَّه، وَجَدَ عَيْبَةً (٢٠) فأتَى بها عمرَ بن الخَطَّابِ فقال: عَرِّفْها سنَةً، فإنْ عُرِفَتْ، وإلَّا فهى لك. زادَ الجُوزَجانِىُّ: فلم تُعْرَفْ، فَلَقِيَهُ بها (٢١) العامَ المُقْبِلَ،


(١٨) الميثاء: الأرض السهلة.
(١٩) أخرجه النسائي، في: باب المعدن، من كتاب الزكاة. المجتبى ٥/ ٣٣. والدارقطني، في: باب في المرأة تقتل إذا ارتدت، من كتاب الأقضية والأحكام. سنن الدارقطني ٤/ ٢٣٦.
(٢٠) العيبة: وعاء من خوص ونحوه، أو وعاء من أدم ونحوه يكون فيه المتاع.
(٢١) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>