للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْصُورٍ: سُئِلَ أحمدُ عن جُعْلِ الآبِقِ؟ فقال: لا أدْرِى، قد تكَلَّمَ الناسُ فيه. لم يكُنْ عندَه فيه حَدِيثٌ صَحِيحٌ. فظاهِرُ هذا أنَّه لا جُعْلَ له فيه، وهو ظاهِرُ قولِ الخِرَقِىِّ فإنَّه قال: "وإذا أبَقَ العَبْدُ فلمَن جاءَ به إلى سَيِّدِه ما أنْفَقَ عليه". ولم يَذْكُرْ جُعْلًا. وهذا قول النَّخَعِىِّ، والشافِعِىِّ، وابنِ المُنْذِرِ؛ لأنَّه عَمِلَ لغيرِه عَمَلًا من غيرِ أن يَشْرُطَ له عِوَضًا، فلم يَسْتَحِقَّ شيئا، كما لو رَدَّ جَمَلَه الشَّارِدَ. وَوَجْهُ الرِّوَايةِ الأُولَى، ما رَوَى عَمْرُو بن دِينارٍ، وابنُ أبى مُلَيْكَةَ، أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- جَعَلَ في جُعْلِ الآبِقِ، إذا جاءَ به خارِجًا من الحَرَمِ، دِينَارًا (٢٣)، وأيضا فإنه قولُ من سَمَّيْنا من الصَّحابةِ، ولم نَعْرِفْ لهم في زَمَنِهِم مُخَالِفًا، فكان إجْماعًا. ولأنَّ في شَرْطِ الجُعْلِ في رَدِّهِم حَثًّا على رَدِّ الأُبَّاقِ، وصِيَانةً لهم عن الرُّجُوعِ إلى دارِ الحَرْبِ، ورِدَّتِهِم عن دِينِهم، وتَقْوِيَةِ أهْلِ الحَرْبِ بهم، فيَنْبَغِى أن يكونَ مَشْرُوعًا لهذه المَصْلَحةِ. وبهذا فارَقَ رَدَّ الشّارِدِ، فإنَّه لا يُفْضِى إلى ذلك. والرِّوايةُ الأخرى أقْرَبُ إلى الصِّحَّةِ (٢٤)؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ الوُجُوبِ، والخَبَرُ المَرْوِيُّ في هذا مُرْسَلٌ، وفيه مَقَالٌ، ولم يَثْبُت الإِجْماعُ فيه ولا القِيَاسُ، فإنَّه لم يَثْبُت اعْتِبَارُ الشَّرْعِ لهذه المَصْلَحةِ المَذْكُورَةِ فيه، ولا تَحَقَّقَتْ أيضًا، فإنَّه ليس الظاهِرُ هَرَبَهُم إلى دارِ الحَرْبِ إلَّا في المَجْلُوبِ منها، إذا كانت قَرِيبَةً، وهذا بَعِيدٌ فيهم. فأمَّا على الرِّوَايةِ الأُولَى، فقد اخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ في قَدْرِ الجُعْلِ، فَرُوِىَ عن أحمدَ أنَّه عَشْرَةُ دَرَاهِمَ، أو دِينَارٌ، إن رَدَّه من المِصْرِ، وإن رَدَّه من خارِجِه، ففيه رِوَايَتانِ؛ إحداهما، يَلْزَمُه دِينارٌ، أو اثْنَى عَشْرَ دِرْهَمًا، لِلخَبَرِ المَرْوِىِّ فيه، ولأنَّ ذلك يُرْوَى عن عمرَ وعليٍّ (٢٥) رَضِيَ اللهُ عنهما. والثانية، له أرْبَعُونَ دِرْهَمًا إن رَدَّه من خارِجِ المِصْرِ. اخْتارَها الخَلَّالُ، وهو قولُ ابنِ مسعودٍ، وشُرَيْحٍ، فرَوَى أبو عمرو (٢٦)


(٢٣) أخرجه ابن أبي شيبة، في كتاب البيوع والأقضية. المصنف ٦/ ٥٤٠، ٥٤٢، ٥٤٣.
(٢٤) في م: "المصلحة".
(٢٥) سقط من: م.
(٢٦) في النسخ: "أبو عمر". وهو إسحاق بن مرار اللغوى الكوفى المتوفى سنة عشر ومائتين. العبر ١/ ٣٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>