للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَمْلُوكةٍ له؛ لأنَّ الغَرَرَ والخَطَرَ لا يَمْنَعُ صِحّةَ الوَصِيَّةِ، فجَرَى مَجْرَى إعْتاقِ الحَمْلِ، فإن انْفَصَلَ مَيِّتًا، بَطَلَتِ الوَصِيَّةُ، وإن انْفَصَلَ حَيًّا، وعَلِمنا وُجُودَه حالَ الوَصِيَّةِ، أو حَكَمْنا بوُجُودِه، صَحَّتِ الوَصِيّةُ، وإن لم يكُنْ كذلك، لم تَصِحَّ؛ لِجَوازِ حُدُوثِه. ولو قال: أَوْصَيْتُ لك بما تَحْمِلُ جارِيَتِى هذه، أو ناقَتِى هذه، أو نَخْلَتِى هذه. جَازَ؛ لما ذَكَرْنا من صِحَّتِها مع الغَرَرِ. وأَمَّا الوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ، فصَحِيحةٌ أيضًا، لا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا، وبذلك قال الثَّوْريُّ، والشافِعِيُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرأى؛ وذلك لأنَّ الوَصِيّةَ جَرَتْ مَجْرَى المِيرَاثِ، من حيثُ كَوْنُها انْتِقالَ المالِ من الإِنْسانِ بعد مَوْتِه، إلى المُوصَى له، بغيرِ عِوَضٍ، كانْتِقالِه إلى وارِثِه، وقد سَمَّى اللهُ تعالى المِيرَاثَ وَصِيَّةً، بقولِه سُبْحانَه: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (١). وقال سُبْحانَه: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} (٢). والحَمْلُ يَرِثُ، فتَصِحُّ الوَصِيَّةُ له، ولأنَّ الوَصِيَّةُ أوْسَعُ من المِيرَاثِ، فإنَّها تَصِحُّ لِلْمُخالِفِ في الدِّينِ والعَبْدِ، بخِلَافِ المِيرَاثِ، فإذا وَرِثَ الحَمْلُ، فالوَصِيَّةُ له أَوْلَى، ولأنَّ الوَصِيَّةَ تَتَعلَّقُ بخَطَرٍ وغَرَرٍ، فتَصِحُّ لِلْحَمْلِ، كالعِتْقِ. فإن انْفَصَلَ الْحَمْلُ مَيِّتًا، بَطَلَتِ الوَصِيَّةُ؛ لأنَّه لا يَرِثُ، ولأنَّه يَحْتَمِلُ أن لا يكُونَ حَيًّا حينَ الوَصِيَّةِ، فلا تَثْبُتُ له الوَصِيَّةُ والمِيرَاثُ بالشَّكِّ. وسواءٌ ماتَ لِعَارِضٍ، من ضَرْبِ البَطْنِ، أو شُرْبِ (٣) دَواءٍ، أو غيرِهِ؛ لما بَيَّنَّا من أنَّه لا يَرِثُ. وإن وَضَعَتْهُ حَيًّا، صَحَّتِ الوَصِيَّةُ له، إذا حَكَمْنا بوُجُودِه حالَ الوَصِيَّةِ. نَقَلَ الخِرَقِىُّ، إذا أَتَتْ به لأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وليس ذلك شَرْطًا في كلِّ حالٍ، لكنْ إن كانت المرْأَةُ فِرَاشًا لِزَوْجٍ أو سَيِّدٍ يَطَؤُها، فأتَتْ به لِسِتَّةِ أشْهُرٍ فما دون، عَلِمْنا وُجُودَه حينَ الوَصِيَّةِ، وإن أَتَتْ به لأَكْثَرَ منها، لم تَصِحَّ الوَصِيَّةُ له؛


(١) سورة النساء ١١.
(٢) سورة النساء ١٢.
(٣) في م: "ضرب".

<<  <  ج: ص:  >  >>