للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبو يوسفَ، وزُفَرُ، إلَّا في العِتْقِ، فإنَّه حُكِىَ عنهم تَقْدِيمُه، لأنَّ العِتْقَ يَتَعَلَّقُ به حَقُّ اللهِ تعالى، ويَسْرِى وَقْفُه (١١)، ويَنْفُذُ في مِلْكِ الغَيْرِ، فيَجِبُ تَقْدِيمُهُ. ولَنا، أنَّ العَطِيَّةَ لازِمةٌ في حَقِّ المَرِيضِ، فقُدِّمَتْ على الوَصِيَّةِ، كعَطِيَّةِ الصِّحَّةِ، [ولأنَّها عَطِيَّةٌ بثمَرَةٍ، فقُدِّمَتْ على العِتْقِ، كعَطِيَّةِ الصَّدَقَةِ] (١٢)، وكما لو تَسَاوَى الحَقَّانِ. الخامس، أنَّ العَطايَا إذا عَجَزَ الثُّلُثُ (١٣) عن جَمِيعِها، بُدِىءَ بالأوَّلِ فالأَوَّل، سواءٌ كان الأوَّلُ عِتْقًا (١٤) أو غيرَه. وبهذا قال الشافِعِيُّ، وقال أبو حنيفةَ: الجَمِيعُ سواءٌ إذا كانت من جنْسٍ واحدٍ، وإن كانت من أجْناسٍ، وكانت المُحَاباةُ مُتَقَدِّمةً قُدِّمَتْ، وإن تَأَخَّرَتْ سُوِّىَ بينها وبين العِتْقِ، وإنَّما كان كذلك، لأنَّ المُحاباةَ حَقُّ آدَمِيّ على وَجْهِ المُعَاوَضةِ، فقُدِّمَتْ إذا تَقَدَّمَتْ، كقَضَاءِ الدَّيْنِ، وإذا تساوَى جِنْسُها سُوِّىَ بينها؛ لأنَّها عَطَايَا من جِنْسٍ واحدٍ، تُعْتَبَرُ من الثُّلُثِ، فَسُوِّىَ بينها، كالوَصِيَّةِ. وقال أبو يوسفَ، ومحمدٌ: يُقَدَّمُ العِتْقُ، تَقَدَّمَ أو تَأَخَّرَ. ولَنا، أنَّهما عَطِيَّتان مُنْجَزَتانِ، فكانت أُولَاهُما أَوْلَى، كما لو كانت الأُولَى مُحَاباةً عندَ أبى حَنِيفةَ، أو عِتْقًا عند صاحِبَيْه. ولأنَّ العَطِيَّةَ المُنْجَزَةَ لازِمَةٌ في حَقِّ المُعْطِى، فإذا كانت خارِجَةً من الثُّلُثِ، لَزِمَتْ في حَقِّ الوَرَثةِ، فلو شَارَكَتْها الثانِيةُ، لمَنَعَ ذلك لُزُومَها في حَقِّ المُعطِى؛ لأنَّه يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عن بَعْضِها بِعَطيّةٍ أُخْرَى، بخِلَافِ الوَصَايَا، فإنَّها غيرُ لازِمَةٍ في حَقِّه، وإنما تَلزَمُ بالمَوْتِ في حالٍ واحدةٍ، فاسْتَوَيا لِاستِوَائِهِما في حال لُزُومِهِما، بخِلِافِ المُنْجَزَتَيْنِ. وما قالَه في المُحَاباةِ غيرُ صَحِيحٍ، فإنَّها بمَنْزِلَةِ الهِبَةِ، ولو كانت بمَنْزِلَةِ المُعَاوَضةِ أو الدَّيْنِ لَما كانت من الثُّلُثِ. فأمَّا إن وَقَعَتْ دُفْعَةً واحِدَةً، كأنْ (١٥) وكَّل جَماعَةً في هذه التَّبَرُّعاتِ، فأَوْقَعُوها دُفْعَةً واحِدَةً، فإن كانت كلها عِتْقًا أقْرَعْنَا


(١١) في الأصل، أ: "واقفه".
(١٢) سقط من: م.
(١٣) في م: "العتق".
(١٤) في م: "عتيقا".
(١٥) في الأصل، أ: "كأنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>