للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو يوسفَ، ومحمدٌ: يُحْتَسَبُ بقِيمَتِه من مِيرَاثِه، فإن فَضَلَ من قِيمَتِه شيءٌ سَعَى فيه. ولَنا، أنَّ الوَصِيَّةَ هي التَّبَرُّعُ بمَالِه بِعَطِيَّةٍ أو إتْلَافٍ، أو التَّسَبُّبُ إلى ذلك، ولم يُوجَدْ واحدٌ منهما؛ لأنَّ العِتْقَ ليس من فِعْلِه، ولا يَقِفُ على اخْتِيارِه، وقَبُولُ الهِبَةِ ليس بِعَطِيَّةٍ، ولا إتْلَافٍ لِمَالِه، وإنَّما هو تَحْصِيلُ شيءٍ يَتْلَفُ بتَحْصِيلِه، فأشْبَهَ قَبُولَه لشىءٍ لا يُمْكِنُه حِفْظُه، أو لما يَتْلَفُ بِبَقَائِه، في وَقْتٍ لا يُمْكِنُه التَّصَرُّفُ فيه، وفارَقَ الشِّرَاءَ؛ فإنَّه تَضْيِيعٌ لِمَالِه في ثَمَنِه. وقال القاضي: هذا الذي ذَكَرْناه قياسُ قولِ أحمدَ؛ لأنَّه قال في مَوَاضِعَ: إذا وَقَفَ في مَرَضِه على وَرَثَتِه صَحَّ، لم يكُنْ وَصِيّةً؛ لأنَّ الوَقْفَ ليس بمالٍ؛ لأنَّه لا يُبَاعُ ولا يُورَثُ. قال الْخَبْرِيُّ: هذا قولُ أحمدَ وابنِ الماجِشُون وأهْلِ البَصْرَةِ، ولم يَذْكُرْ فيه عن أحمدَ خِلَافًا. فأمَّا إن اشْتَرَى مَن يَعْتِقُ عليه، فقال القاضي: إن حَملَه الثُّلُثُ عَتَقَ وَوَرِثَه. وهذا قولُ مالِكٍ وأبي حنيفةَ. وإن لم يَخْرُجْ من الثُّلُثِ عَتَقَ منه بِقَدْرِ الثُّلُثِ، ويَرِثُ بقَدْرِ ما فيه من الحُرِّيَّةِ، وباقِيه على الرِّقِّ، فإن كان الوارِثُ مِمَّنْ يَعْتقُ عليه إذا مَلَكَه، عَتَقَ عليه إذا وَرِثَه. وقال أبو يوسفَ، ومحمدٌ: لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، ويُحْتَسَبُ بِقِيمَتِه من مِيرَاثِه، فإن فَضَلَ من قِيمَتِه شيءٌ سَعَى فيه. وقال بعضُ أصْحابِ مالِكٍ: يَعْتِقُ من رَأْسِ المالِ، ويَرِثُ كالمَوْهُوبِ والمَوْرُوثِ. وهو قِيَاسُ قَوْلِه، لِكَوْنه لم يَجْعَل الوَقْفَ وَصِيّةً وإجَازَةً لِلْوَارِثِ، فهذا أَوْلَى؛ لأنَّ العَبْدَ لا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ، فيُجْعَلُ ذلك وَصِيَّةً له (٣٠)، ولا يَجُوزُ أنْ يُجْعَلَ الثَّمَنُ وَصِيّةً له؛ لأنَّه لم يَصِلْ إليه، ولا وَصِيّةً للبائِعِ؛ لأنَّه قد عاوَضَ عنه، وإنَّما هو كبِنَاءِ مَسْجِدٍ وقَنطَرةٍ، في أنَّه ليس بِوَصِيَّةٍ لمن يَنْتَفِعُ به، فلا يَمْنَعُهُ ذلك المِيرَاثَ. واخْتَلفَ أصْحابُ الشافِعِيِّ في قِيَاسِ قولِه، فقال بعضُهم: إذا حَمَلَه الثُّلُثُ عَتَقَ وَورِثَ؛ لأنَّ عِتْقَه ليس بِوَصِيَّةٍ له، على ما ذَكَرْنا. وقيل: يَعْتِقُ ولا يَرِثُ؛ لأنَّه لو وَرِثَ لَصَارتْ وَصِيّةً لِوَارِثٍ، فتَبْطُلُ وَصِيَّتُه، ويَبْطُلُ عِتْقُه وإرْثُه، فَيُفْضِى تَوْرِيثُه إلى إبْطالِ تَوْرِيثِه، فكان إبْطالُ تَوْرِيثِه أَوْلَى. وقيل على مَذْهَبِه: شِرَاؤُه باطِلٌ؛ لأنَّ ثِمَنَه وَصِيّةٌ، والوَصِيّةُ تَقِفُ على


(٣٠) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>