للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولدُها عنهُ، وانقطَعَ تعْصيبُهُ من جِهَةِ المُلاعِنِ، فلم يَرِثْهُ هو ولا أحَدٌ من عَصَباتِهِ، وترِثُ أُمُّهُ وذَوْو الفُروضِ منه فُروضَهم، وينْقَطِعُ التوارُثُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، لا نَعْلمُ بَيْنَ أهلِ العلمِ في هذِه الجملةِ خلافًا. وأمَّا إن ماتَ أحدُهم قبلَ تَمام اللِّعانِ من الزَّوْجَيْنِ، ورِثَهُ الآخرانِ في قولِ الجمهورِ. وقالَ الشَّافِعِىُّ، رضِىَ اللهُ عنهُ: إذا أكْمَلَ (١) الزوجُ لِعانَهُ لم يتوَارَثا. وقال مالِكٌ: إن ماتَ الزوجُ بعدَ لِعانِهِ، فإن لاعَنَتِ المرأةُ لم تَرِثْ، ولم تُحَدَّ، وإن لم تُلاعِنْ، ورِثَتْ، وحُدَّتْ. وإن ماتَتْ هي بعد لِعَانِ الزَّوْجِ، ورِثَها في قولِ جميعِهم، إلَّا الشَّافِعِىَّ رضِىَ اللهُ عنهُ. وإن تَمَّ اللِّعانُ بَيْنَهما، فماتَ أحدُهما قبلَ تفريقِ الحاكِمِ بَيْنَهما، ففيهِ رِوايتانِ؛ إحْداهما، لا يتوارَثانِ، وهو قولُ مالكٍ، وزُفَرَ، ورُوِىَ نحوُ ذلك عن الزُّهْرِىِّ، ورَبِيعَةَ، والأَوْزَاعِىِّ، وداودَ؛ لأنَّ اللِّعانَ يقْتَضِى التَّحْريمَ المؤبَّدَ، فلم يُعْتَبَرْ في حصولِ الفُرْقَةِ به التفريقُ بينهما (٢)، كالرِّضاعِ. والرِّوايةُ الثانيةُ، يتوارَثانِ ما لم يُفَرِّقِ الحاكمُ بَيْنَهما. وهو قولُ أبى حَنيفَةَ، وصاحبَيْهِ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فرَّقَ بين المُتَلاعِنَيْنِ، ولو حصَلَ التفريقُ باللِّعانِ لم يُحْتَجْ إلى تَفْريقِهِ. وإن فَرَّقَ الحاكِمُ بَيْنَهما قبلَ تمامِ اللِّعانِ، لم تقَعِ الفُرْقَةُ، ولم ينْقَطِعِ التوارُثُ في قولِ الجمهورِ. وقال أبو حنيفَةَ وصاحِباهُ: إن فَرَّقَ بَيْنَهما بعدَ أن تلاعَنا ثلاثًا، وقعَتِ الفُرْقَةُ، وانْقَطَعَ التَّوارُثُ؛ لأنَّه وُجِدَ منهما مُعْظَمُ اللِّعانِ، وإن فرَّقَ بَيْنَهما قبلَ ذلك، لم تَقَعِ الفُرْقَةُ، ولم ينْقَطِعِ التَّوارُثُ. ولَنا، أنَّه تفريقٌ قبلَ تَمامِ اللِّعانِ، فأشبَهَ التفريقَ قبلَ الثلاثِ. وهذا الخِلافُ (٣) في توارُثِ الزَّوجَيْنِ. فأمَّا الولدُ، فالصَّحيحُ أنَّه يَنْتَفِى عن المُلَاعِنِ إذا تمَّ اللِّعانُ بَيْنَهما من غيرِ اعتبارِ تفريقِ الحاكِمِ؛ لأنَّ انتفاءَهُ بنَفْيهِ، لا بِقْولِ الحاكِمِ: فرَّقْتُ بَيْنَكما، فإن لم يذكُرْهُ في اللِّعانِ لم ينْتَفِ عن المُلاعِنِ، ولم ينْقَطِعِ التَّوارُثُ بَيْنَهما. وقالَ أبو بكرٍ: ينْتَفِى بزوالِ الفِراشِ، وإن لم يذكُرْهُ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نفَى الوَلَدَ عن المُلاعِنِ،


(١) في م: "كمل".
(٢) سقط من: م.
(٣) في م: "خلاف".

<<  <  ج: ص:  >  >>