للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفَقِيرِ، بقَرِينةٍ وبغيرِ قَرينةٍ، والشِّعْرُ أيضًا حُجّةٌ لنا، فإنَّه أخْبَرَ أَنَّ الذى كانت حَلَوبَتُه وَفْقَ العِيالِ، لم يُتْرَكْ له (١٢) سَبدٌ، فصَارَ فَقِيرًا لا شىءَ له. إذا تَقَرّرَ هذا، فالفقيرُ الذى لا يَقدِرُ على كَسْبِ ما يَقَعُ مَوْقِعًا من كفايَتهِ، ولا له [من الأُجْرةِ أو من المالِ الدائمِ ما يقعُ موقعًا من كفايتهِ، ولا له] (١٣) خَمْسونَ دِرْهَمًا، ولا قِيمَتُها من الذهبِ، مثل الزَّمْنَى والْمَكافيفُ وهم العُمْيانُ، سُمُّوا بذلك لِكَفِّ أبصارِهِم؛ لأنَّ هؤلاءِ فى الغالب لا يَقدِرُونَ على اكْتِسابِ ما يقعُ مَوْقِعًا من كِفايَتِهِم، وربَّما لا يَقْدِرونَ على شىءٍ أصلًا، قال اللَّه تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} (١٤). ومعنى قولِهم: يقَع مَوْقِعًا من كِفايَتِهِم. أنَّه يَحْصُلُ به مُعْظَمُ الكِفَايةِ، أو نِصْفُ الكِفَايةِ مثل مَنْ يَكفِيه عشرةٌ فيَحْصُلُ له من مَكْسَبِه أو غيرِه خَمْسةٌ فما زادَ، والذى لا يحصلُ له إلَّا ما لا يقَعُ مَوْقِعًا من كفايَتِه، كالذى لا يَحْصُلُ له إلَّا ثلاثةٌ أو دونَها، فهذا هو الفقيرُ، والأولُ، هو (١٥) المسكينُ، فيُعْطَى كلُّ واحدٍ منهما ما يُتِمُّ به كِفَايَتَه، وتَنْسَدُّ به حاجَتُه؛ لأنَّ المقْصودَ دَفْعُها وإغْنَاءُ صاحِبِها، ولا يَحْصُلُ إلَّا بذلك. والذى يَسْألُ، ويُحَصِّلُ الكفايةَ أو مُعْظَمَها من مَسْئَلتِه، فهو من المَساكِينِ، لكنَّه يُعْطَى جَمِيعَ كِفايتِه، ويُغْنَى عن السُّؤالِ. فإن قيل: فقد قال النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَيْسَ الْمِسْكِينُ بالطَّوَّافِ الَّذِى تَرُدُّه اللُّقْمَةُ واللُّقْمَتَانِ، ولكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِى لَا يَسْألُ النَّاسَ، ولَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ" (١٦). قُلْنا، هذا تَجَوُّزٌ، وإنَّما نَفَى


(١٢) فى أ، ب، م: "لهم".
(١٣) سقط من: ب. نقل نظر.
(١٤) سورة البقرة ٢٧٣.
(١٥) سقط من: ب.
(١٦) أخرجه البخارى، فى: باب قول اللَّه تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}. . .، من كتاب الزكاة، وفى: باب قول اللَّه تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}، من كتاب التفسير. صحيح البخارى ٢/ ١٥٣، ٦/ ٤٠. ومسلم، فى: باب المسكين الذى لا يجد غنى. . .، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم ٢/ ٧١٩. وأبو داود، فى: باب من يعطى من الصدقة وحَدُّ الغِنى، من كتاب الزكاة. سنن أبى داود ١/ ٣٧٩. والنسائى، فى: باب تفسير المسكين، من كتاب الزكاة. المجتبى ٥/ ٦٣، ٦٤. والدارمى، فى: باب المسكين الذى يتصدق عليه، من =

<<  <  ج: ص:  >  >>